تطبيع العلاقات بين السودان وإيران .. ما الذي يريده محور الشر..؟

بورتسودان – اسكاي سودان

لم يستخدم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وصف إيران بأنها من ضمن دول (محور الشر) عن فراغ وانما استخدم هذه العبارة بحسب ما ذكر لأنه يعتقد بأن تلك الدول تدعم الإرهاب وتسعى لشراء أسلحة الدمار الشامل، ويرى الكثيرون بأن فكرة بوش هذه هي التي قادته ليبدأ ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وتاريخيا كانت العلاقات بين الخرطوم وطهران وثيقة، وكانت طهران مصدرا وموردا للأسلحة إلى الخرطوم منذ تسعينيات القرن الماضي، كما تضمنت العلاقات أنذاك اتفاقيات تعاون عسكرية ودفاعية، بالإضافة إلى مشاريع مشتركة، وكان السودان بادر بقطع علاقته مع الجمهورية الإسلامية الايرانية إثر اقتحام السفارة السعودية فيها في يناير من العام 2016م.

وتفيد المتابعات أن إيران قامت بدور رئيسي في دعم قطاع إنتاج الأسلحة في السودان، بحسب ما أصدره معهد دراسات الأسلحة الصغيرة في سويسرا، خلال مايو من العام 2014م وأوضح أن (التعاون العسكري بين إيران والسودان شهد تطورا لافتا بعد اتهام الخرطوم إسرائيل بإرسال 4 طائرات لضرب مجمع اليرموك للصناعات العسكرية في جنوب الخرطوم في أكتوبر 2012م وتعتقد إسرائيل أن المصنع يعمل به خبراء إيرانيون، ويمد حركة حماس في غزة بالأسلحة التي تصلها عبر شرق السودان).

موطئ قدم..

ظلت طهران تنظر إلى السودان بشكل جيوسياسي إستراتيجي، من واقع اهتمامها بالحصول على موطئ قدم في سواحل البحر الأحمر، واتخاذ السودان مدخلا نحو القرن الأفريقي شرقا والساحل الأفريقي غربا، لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما يثير مخاوف بعض دول الخليج ومصر، في ظل التنافس الأميركي الروسي الصيني الخليجي على المنطقة، وتتهم إيران من قبل دول غربية وأمريكا بمساندة الجيش السوداني في حربه، وذلك بتوفير الأسلحة النوعية، لا سيما الطائرات المسيرة التي كان لها الدور الأبرز في تغيير وضعية القوات المسلحة في المعارك التي تقودها ضد قوات الدعم السريع.

وفي فبراير الماضي احتفل جنود من قوات الدعم السريع في مدينة أم درمان، التي كانت وقتها تشهد معارك ضارية مع قوات الجيش، بإسقاط ما قالوا إنها طائرة مُسيّرة إيرانية الصنع من طراز (مهاجر) ونقلوا بعد ذلك حطام الطائرة، على متن إحدى السيارات إلى مكان آخر، وأرسلت إيران أسراباً من الطائرات المسيرة مباشرة بعد استئناف العلاقات وزيارة وزير الخارجية السوداني السابق علي الصادق إلى طهران ولقائه بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مطلع فبراير العام الماضي.

وفي سياق متصل بالعلاقات بين السودان وايران اعتمد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش أمس الأول (الأحد) أوراق حسن شاه حسيني سفيرًا ومفوضًا فوق العادة من إيران لدي السودان الذي سمى سفيرًا جديدًا إلى طهران، وقال وكيل وزارة الخارجية السودانية حسين الأمين، في تصريح صحفي، إن السفير الإيراني قدم أوراق اعتماده لرئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وأشار إلى أن البرهان رحب بالسفير الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مؤكدًا على متانة العلاقات بين البلدين، وشدد الأمين على أن تقديم السفير الإيراني لأوراق اعتماده، يعد إيذانًا ببدء مرحلة جديدة في مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين.

وفي المقابل قال السفير الإيراني إن تقديم أوراق اعتماده يأتي في إطار التوافق المشترك بين البلدين بشأن تبادل السفراء وترقية العلاقات الثنائية، معربًا عن شكره وتقديره لرئيس مجلس السيادة على قبوله لأوراقه، وتعهد ببذل قصارى جهده من أجل تعزيز علاقات التعاون بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسودان، مجددًا دعم بلاده للسيادة الوطنية ووحدة وسلامة الأراضي السودانية.

إنهاء قطيعة (8) سنوات..

وتأتي خطوة تبادل السفراء بين السودان وايران بعد قطيعة دبلوماسية منذ يونيو 2016م عندما أعلن الرئيس المخلوع عمر البشير قطع العلاقات مع إيران على خلفية اقتحام سفارة السعودية في طهران، وكانت وزارة الخارجية السودانية أعلنت في اكتوبر 2023م استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد اتصالات رفيعة المستوى بين البلدين جرت قبلها بأشهر واتفق البلدان وقتها على إعادة عمل السفارات وتبادل الوفود الرسمية لبحث سبل تطوير التعاون المشترك.

وعاد التعاون العسكري بين السودان وإيران بعد أشهر من استئناف العلاقات بينهما بصورة رسمية في أكتوبرالماضي من العام 2023م عقب (7) سنوات من القطيعة، وتفيد المتابعات ان طهران زودت الجيش السوداني بطائرات مسيرة، وظلت منصات مقربة من الجيش السوداني تبث معلومات عن توسيع استخدام المسيرات في الأسابيع الأخيرة، بقصف أهداف لقوات الدعم السريع بشكل متزامن، في كل من الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد وغرب كردفان وولايات دارفور التي سيطر عليها الدعم السريع، كما رصد مراقبون وخبراء عسكريون استخدام الجيش السوداني مسيرات خلال الفترة الأخيرة، غالبيتها صينية وتركية وإيرانية، كما استخدم مقاتلات روسية من طرازات مختلفة.

ونقلت وكالة (بلومبيرغ) في تقرير لها عن مسؤولين غربيين إن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات دون طيار من نوع (مهاجر – 6) مؤهلة لمهام الرصد ونقل المتفجرات، وذكرت أن (أقمارا صناعية التقطت الشهر الماضي صورا لطائرة دون طيار من نوع (مهاجر – 6) الإيرانية في قاعدة وادي سيدنا شمال أم درمان، وهي خاضعة لسيطرة الجيش) وقال (3) مسؤولين غربيين – طلبوا حجب هوياتهم – إن (السودان تلقى شحنات من طائرة مهاجر – 6 المسيرة، وهي ذات محرك واحد تم تصنيعها في إيران، بواسطة شركة القدس للصناعات الجوية، وتحمل ذخائر موجهة) وهي المسيرة ذاتها التي كانت الولايات المتحدة قد اتهمت إيران بتزويدها لروسيا خلال الحرب مع أوكرانيا.

وكشفت مصادر مطلعة الاسبوع الماضي أن قيادة الجيش رفضت طلباً إيرانياً بوصول حاملة مروحيات إلى بورتسودان والرسو هناك بشكل دائم، مقابل استمرار إمداد الجيش الذي يقاتل قوات الدعم السريع بالأسلحة والذخائر، وأفادت المصادر ذاتها بأن قيادات إسلامية سودانية لها علاقات بالنظام الإيراني تدخلت لتمرير الاتفاق بين الجيش والنظام في طهران، إلا أن المناقشات التي جرت في أبريل الماضي لم تُحرز تقدماً بعد امتناع قيادات الجيش عن الموافقة، وفي المقابل أكد الجيش السوداني، أنه لا صحة لما تم تداوله بشأن رفض القوات المسلحة لرسو حاملة طائرات إيرانية بالبحر الأحمر، وأصدرت القوات المسلحة بياناً عبر مكتب الناطق الرسمي، نفت فيه صحة الأخبار المتداولة بالوسائط والمواقع الإخبارية بشأن رفضها لرسو حاملة الطائرة الإيرانية.

تاكتيك وتعقيدات ..

وتجرى مناقشات مستمرة بين الطرفين لقبول طلب طهران بإرسال السفينة إلى المياه السودانية ورسوها في ميناء بورتسودان بشكل دائم في إطار التعاون الدفاعي بين البلدين، لكن رغم عدم قبول الجيش بذلك، فإن توريد الطائرات المسيرة الإيرانية لا يزال مستمراً، بحسب المصادر، واعتبرت المصادر أن رفض القيادة السودانية للطلب الإيراني جاء بسبب مخاوف من ردة فعل السعودية ومصر ودول الغرب بشكل عام، علماً أن طهران غيرت طلبها بإنشاء ميناء مزدوج للاستخدام التجاري والعسكري، وهو ما رفضته قيادة الجيش أيضاً، بحسب المصادر ذاتها.

ويعتقد الكثيرون أن عودة التعاون السوداني الإيراني تأتي في ظل ظروف معقدة في الفضاء الجيوسياسي، الممتد من إيران إلى اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وبالنسبة لهم فأن دخول السودان في حلف مع إيران لا يخدم المصلحة الوطنية على المستوى الإستراتيجي، ولكنه ربما يكون مفيد تكتيكا للجيش في الوقت الحالي فيما تتزايد المخاوف بين السودانيين من أن الحرب المستمرة في بلادهم منذ منتصف إبريل من العام الماضي لن تتوقف قريبا وربما تتحول إلى صراع إقليمي، وذلك في ظل التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية .. وبعد تبادل السفراء بين السودان وإيران وبدء مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية سيبقى السؤال المحوري قائما وهو: ما الذي يريده محور الشر من السودان؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.