عمر البشير في متاهته:- من (حمايتي) إلى (مصيبتي)

علي يس

أيا كان رأينا في قوات الدعم السريع ، فإن الصدق و الإنصاف يقتضينا الاعتراف بأن أهم مطالبهم في مفاوضات جدة ، ضمن بنود (بناء الثقة) ، و أعني إعادة مجرمي المؤتمر الوطني إلى السجون ، هو مطلب كل الشعب السوداني ، الذي خرج في ثورته المليونية المجيدة قبل أربع سنين بالتمام لأجل الإطاحة بهم و محاكمتهم على جرائمهم التي لا تحصى. و هم هؤلاء الذين أخرجهم البرهان و عصابته من السجون قبل الحرب ” و ليس بعدها كما حاولوا إيهام الناس و خداعهم من خلال بيان مدير سجن كوبر و من خلال بيان أحمد هارون التفسيري” بل كان هؤلاء المجرمون، في حقيقة الأمر خارج السجن عند انفجار الحرب، و هم من خططوا لهذه الحرب، و هم من ألزموا البرهان بخوضها.
لكن الغباء الكيزاني التليد يظل هو أقوى أسلحة الدعم السريع ضدهم، فقد كان بإمكان البرهان مثلا أن يبرر نكوصه عن التزامه في جدة بإعادة البشير و عصابته إلى السجون بأية حجة واهية (و هو لم يملك يوماً غير الحجج الواهية) كأن يقول، مثلا، إنهم فروا خارج البلاد.. أو لاذوا بالصحراء، أو “وقعوا في البحر” ، أو أي كلام و السلام..
و لكن عصابة المتأسلمين اختارت هذا الوقت بالذات لتكشف للعالم كله هوية من أشعل هذه الحرب الفاجرة “هل بوعي منهم أم غفلة؟ الله أعلم”!!.
اختار ذكاؤهم البائس شهر الثورة في ذكراها الرابعة، لكي يسربوا تسجيلا صوتيا لعمر البشير، يوجه فيه تعليماته للبرهان بصدد ما ينبغي عمله بشأن الجهاز التنفيذي، و إبدال المدنيين من ولاة الولايات بولاة عسكريين، و يؤكد – في رسالته- أن جولته الأخيرة في بعض الولايات أثبتت له ضرورة أن يكون الولاة عسكريين، ثم يهذي ببعض الشتائم لمن سماهم (القحاطة) و دون أن يشير و لو بكلمة إلى من كان يسميه يوما (حمايتي) بعد أن تحول فجأة إلى (مصيبته) التي لم تحظ بمثلها طيبة الذكر “براقش” !!..
و في تسجيله هذا يؤكد البشير أن “الإسلام” يمر بمرحلة تستوجب إجراءات حاسمة و أن الحرب الآن في نهاياتها !! “ذات القول الذي ظلت تردده أبواق صلاح قوش و البرهان في الميديا!!”.. و يبشر الكيزان بالعودة إلى جنتهم التي طردوا منها إلخ..من لغو يشبه قائله!!!..
يتساءل كل ذي عقل:
– لماذا سربوا هذا التسجيل المستفز و المستحقر للشعب الذي ما يزال يطالب بمحاكمة البشير، و ما يزال آباء و أمهات و إخوان الشهداء ينتظرون اليوم الذي يرونه فيه معلقا على حبل المشنقة؟!!.
هل يئسوا من إمكانية خداع الشعب بأحجية أن البشير مريض و معتقل في مستشفى علياء؟ هل قرروا، أخيرا، أن يعلنوها مواجهة ضد الشعب كله، بعد أن أدركوا أن أكاذيبهم البلهاء لن تنطلي عليه؟؟..
التسجيل الصوتي للبشير – و قد كنت أعلم منذ بداية الحرب، أن الرصاصة الأولى فيها أطلقت بأمره – لم يخرج إلى العلن بمحض الصدفة، بل يؤكد توقيته، و الظروف المحيطة به ” مثل إفشال مفاوضات جدة، و قمة الإيقاد الاستثنائية و ما جرى فيها، و بيان الخارجية و نكوص البرهان الذي لم يدهش أحدا” .. كل هذه التفاصيل يجب أن يقرأ على ضوئها خطاب البشير المسرب أخيرا، ليتأكد أن الكيزان يعلنون أن المعركة الآن لم تعد بينهم و بين قوات الدعم السريع التي كانوا هم و بشيرهم حاضنتها الأولى ، بل انضم الشعب كله إلى قائمة أعدائهم!!!..
هل يدركون، يا ترى، حجم الخدمة الجليلة التي يقدمونها لقوات الدعم السريع بهذا التسريب؟؟ لقد زعموا أن اعترافات أنس عمر و محمد علي الجزولي ليست مستندا، بحكم كونهما أسيرين و”خائفين” ، و لكن من يقرأ ما بين سطور رسالة البشير الصوتية بعقل واع، سيدرك أن اعترافاته الضمنية و غير المقصودة لا تقل عن اعترافات أنس و الجزولي من حيث أهميتها و قوتها في إثبات تورط الكيزان في إشعال هذه الحرب المدمرة، و ضد الشعب كله!!!..
هل قرر الكيزان، أخيرا، كشف أوراقهم كلها دفعة واحدة؟؟؟!!!…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.