ابراهيم مطر يكتب: قرشي عوض صمت دهراً، ونطق بلسان مليشيا البراء بن مالك!

 

قرشي عوض صمت دهراً، ونطق بلسان مليشيا البراء بن مالك!

 

إبراهيم مطر

 

من أصدق النعوت التي أطلقتها الحركة الإسلامية على الحزب الشيوعي، هو “الحزب الشيوعي خاتم في أصبعنا الصغير، تصدر قراراته منا، وبصورة مباشرة”. ولعل العبارة هي الأكثر استدعاء للحزن على حزب عريق صاحب تاريخ مشرف، قبل أن يخلف قادته التاريخيين سلف “أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات”، واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك “علي كرتي” ورفاقه، وهم يسيرون مسلوبي الإرادة رهن إشارة ولي الله الفقيه الذباح هذا، أخزاه الله.

لكن ما من مثال أصدق على حال الحزب الشيوعي نفسه كـ”قرشي عوض” الذي صمت لعامين بعد اندلاع الحرب كحزبه، صمت على قطع الرؤوس وبقر البطون وأكل الأكباد وقصف الأحياء السكنية بالطيران، وعلى الاعتقالات التي طالت السياسيين السودانيين من كل حدب وصوب – ما عدا الشيوعيين – وتعذيبهم وقتلهم ودفنهم دون علم ذويهم هم ولفيف من عضوية لجان الطوارئ، والمتطوعين في المطابخ الجماعية الذين أعدموا بالرصاص في أسواق المدن وفي الطُرقات، ولم نسمع لقرشي هذا حساً ولا خبر.

ولعله استحسن موقف حزبه المخزي هذا من الحرب وهذا شأنه، لكنه وللغرابة يتحدث اليوم ليقرر هو، أو حزبه، أو الإثنان معاً، أن “واجب القوى الديمقراطية – من وجهة نظره – هو حل قوات الدعم السريع! لأنه “واحدة من تشوهات المؤسسة العسكرية”، بينما يجب أن تبقى المؤسسة التي تحمل كل ما تبقى من تشوهات “البراء، دواعش، كيكل، مرتزقة …الخ” دون حل، “لأنه ليس من حق قيادة القوات المسلحة حل الجيش!” وهكذا وبضربة لازب يضع العبقري الشيوعي “قرشي عوض” حلاً لحرب الخامس عشر من أبريل، والتي دخلت عامها الثالث!

ويضيف: “وسط حالة الاغراق الشعاراتي الحالية والتي تنشط فيها بعض الجهات السياسية والاعلامية المختلفة خاصة إعلام الدعم السريع والناشطين في بعض القوى السياسية المدنية الديمقراطية لايجاد موطي قدام لهم في قلب الاحداث حتى”.

وها هو حزب الشعارات يتفه الشعاراتية! بل ويستخدمها كصفة ذميمة، وسرعان ما قفز إلى “إعلام الدعم السريع”، وفي الفقرة الأولى من مقاله، ليقرر بأن العاملين فيه مجرد “طالبي موطئ قدم في قلب الأحداث، وإن كان ذلك بكسر رقبة الحقيقة”! يكسر قرشي عوض رقبة الحقيقة لصالح الحركة الإسلامية دون حياء، ويعير الناس بكسرها “ويا اخوانا حليلو يجرح ويداوي”

ويمضي قرشي في مقاله المعروض في سوق نخاسة بورتسودان هذا يبتغي به ثمناً قليلاً  ليقول: “مالايمكن الاتفاق حوله هو حل الجيش وتكون جيش جديد من حركات الكفاح المسلح. الجيش ملك الشعب السوداني لايحق لاي  قوى سياسية أو عسكرية بما فيها قيادته الحالية ان تتصرف بشانه”.

وهنا يمضي قرشي للتدليس الصريح، كونه يعلم قبل غيره أن قيادة الجيش الحالية هي بيد الحركة الإسلامية، ليصير ملكياً أكثر من الملك ويصعد على منبر الهالك “أنس عمر”، ليقرر أنه “لا يحق لأي قوى سياسية كانت أم عسكرية …”، على وزن “الحركة الإسلامية دي مافي أفهم منها ولافي أرجل منها”! أما حيلته الطفولية البسيطة عن أنه لا يحق لقيادة الجيش الحالية حل الجيش فلا تليق ببالغ، لأن الجميع يعلم أن للحركة الإسلامية اليوم وبفضل بندقية الجيش حق إزهاق الأرواح على الظن والاشتباه، وفعل ما يحلو لها في من يتواجد في مناطق سيطرتها دون حسيب ولا رقيب. كما إنه من المضحك المبكي قولك لصاحب متجر مثلاً، أنه لا يمتلك الحق في إحراقه، كون مصلحته تتعارض بالضرورة مع ذلك الفعل.

 ولشيوعيين 2025 قصص ونوادر ليس أولها صمت قرشي أوان الحديث، ولا حديثه هذا الذي يحاول – عبثاً – أن يداري به حقيقة أن الكوز الشمالي، أقرب إليه من الشيوعي الغرابي وإن بلغ شأو جيفارا وأبطال اليسار. لذلك لا يجد قرشي غضاضة في الدفاع الصريح عن الدواعش والوقوف بصفهم، على الرغم من حمرة أياديهم الملطخة بدماء السودانيين، وما يخوضون فيه من وحل، يعافه الشرفاء من السودانيين.

وبلغ بهذا القرشي من العشم مبلغاً أنه يريد حل قوات قوات الدعم السريع وكذلك ضمان عدم انخراطها في الجيش – المحرم من وجهة نظره على الغرابة – وعن طريق الحوار! وبعد أن أعلنت بورتسودان الحرب على الرزيقات والمسيرية والحوازمة وتعهدت بإبادتهم في نداءات ملأت مواقع التواصل الاجتماعي وبلغت عيون قرشي هذا وآذانه ولذلك تشبه دعوته لحل الدعم السريع هي بمثابة “سلمونا أسلحتكم كي يبيدكم حليفنا الذي يستخدم السلاح الكيميائي”!

ويأتي حديث قرشي بعد أن بات الدعم السريع – مع بقية الحركات المسلحة والأحزاب السياسية والأجسام المدنية الأخرى – جزءً من تحالف “تأسيس” الذي وحد الهامش العريض تحت لافتات حقوق تنتزع ولا تعطى. لكن هذا الشيوعي الصغير ظل أعمى البصر والبصيرة، ذاهلاً عن كل ما يجري، لا يشغله سوى ضمان عدم دخول الغرابة للجيش، وضمان سيطرة القيادة الحالية للجيش ومن خلفها الحركة الإسلامية على مقاليد الأمور. لكنه يريد من “القوى الديمقراطية”، وهو لا يقصد بها سوى واجهات الحزب الشيوعي – الذي صار هو نفسه واحدة من واجهات الحركة الإسلامية – أن تساعده على تحقيق أمانيه تلك فحظاً سعيداً يا قرشي عوض في مهمتك اليسيرة.

وإن كان من نصيحة أبذلها لك فهي أن تتدبر ما يكلفك قادة حزبك غواصات الحركة الإسلاميه بكتابته قبل نشره، أو أن تعود للقمقم الذي كنت فيه وتلزم الصمت. لكن مثل هذا الحديث لا يجعل منك سوى “أضحوكة”، ولعلك إن صمت تحتفظ ببعض ما توهمه الناس فيك من صفات كنت تدعيها خوفاً أو طمعاً. لكنك يا قرشي كنت صغيراً حين صمت، وصغيراً حين دفعوك دفعاً للحديث، وصغيراً خلال كافة الأزمنة والعصور، فسبحان الذي يغير ولا يتغير.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.