مصطفي التجاني يكتب : إضراب المعلمين _الأسى الأخرس
تابعنا في الأيام القليلة الماضية إضراب المعلمين والذي جاء نتاج محاولات كثيرة ومطالبات بتحسين أوضاع المعلمين .
لم تتلق المطالب التي نادي بها المعلمين اذناً صاغية، وقوبلت بالتجاهل التام.
وخرج عدد من المسؤولين بتصريحات تصنف بأنها مستفزة تجاه هذه الشريحة التى ظلت تعاني الأمرّين ، ضعف الأجور مع الارتفاع الفاحش للأسعار والتهميش المتعمد .
والناظر بعين الحق والحقيقة سيتبين له ما مضمونه ؛ ان المعلم أضعف الشرائح واخر من يمتلك حقاً شرعياً في هذه البلاد.
وليست هذه الأحداث وليدة الصدفة؛ فسياسات الدولة اتجهت نحو خصخصة وتسليع التعليم وتهجير المعلمين وتشريدهم .
وذلك عن طريق إهمال التعليم الحكومي والمعلمين ؛ وفتح المجال أمام المؤسسات التعليمية الخاصة معتمدين على اسلوب الدعاية العكسية والتوجيه الغير مباشر .. وهذه كلها سياسات تهدف إلى إنتاج مجتمع هش لا يمتلك ادني مقومات الحياة وهي “التعليم الفعال” مما يسهل التحكم على هذا المجتمع وكبت تطلعاته وتوجيـهه حسب اهـواء الساسـة .
هذا التجاهل المتعمد لم يقف على التصريحات وحدها بل تجاوز لسان المقال إلى لسان الحال والشاهد في هذا التجاوز هو زيارة جبريل ابراهيم وزير مالية الحكومة الانقلابية ورئيس حركة العدل والمساواة لولاية جنوب دارفور ؛ حيث تم توزيع ما يزيد عن “العشرة ألف جالون وقود” للحشد الجماهيري الذى جاء ضعيفاً كما يستحق .
وكذلك تم الصرف بصورة بزخية على الإعلانات المستهلكة التى أعادت المواطن إلى أيام المؤتمر الوطني والدعاية الرخيصة.
كل هذه التخبطات التى يقوم بها وزير المالية وزبانيته من تهميش وتجاهل متعمد لقضية المعلمين؛ لن يتوقف رد فعلها وأثرها بفتح المدارس بل سيمتد ليدخل كل بيت وكل مدرسة، خصوصاً وان هذا الإضراب يشمل المدارس الحكومية وحدها دون الخاصة، وغالبية أبناء الشعب السوداني الذى يتعرض لإفقار ممنهج يدرسون فى المدارس الحكومية دون الخاصة.
ومع هذا الإضراب والتدهور الدراسي يبقى السوق هو المنفذ الوحيد للطلاب الفقراء من أجل لحاق أرزاقهم، والذين يفضل أغلبهم ترك السلم التعليمي والتوجه نحو مقارعة الظروف الإقتصادية الطاحنه .
الكلام يطول ويطول وتمتد المآسي التى تسيل الدمع وقصص المعلمين الذين لا يمتلكون قوت يومهم وقصص الذين فضلوا ترك التدريس من أجل كرامتهم ووضعوا الطبشيرة مكرهين ليمسكـوا دفـة الرزق وضربوا فى الأرض يسابقون الريح بحثاً عن ما يسد الرمق.
والمعلم اليوم أصبح أفقر شرائح المجتمع وأكثرهم عطاءً يعلم الجميع معنى التضحية والصبر ويحاول بعض المتنطعين اليوم ان يعلمونه التضحيه وينبهونه بضرورة ترك حقـه والعيش على فتات الرزق من أجل أبنائهم .
وكلنا يعلم أن المعلمين هم أشد الناس حرصاً على الاستقرار الأكاديمي وهم أدري الناس بسبل تحقيقه ، لِم لا وهم الوحيدون الذين صمدوا في وجه الظروف وساهموا وبجهد جبار فى إنجاح خمـسة أعوام دراسية فى أصعب الظروف والتحديات السياسية ولم يغمض لهم جفن.
وليس من الإنصاف أن يترك المجتمع قضية المعلمين للمعلمين وحدهم ثم يتباكي الجميع بأن المعلمين تسببوا في ضياع مستقبل أبنائهم وهم يعلمون من الذي ضيع الجميع ، لكنهم يفضلون الطعن فى ظل الفيل .
وقوم ذل فيهم المعلم لن تقوم لهم قائمة وليلهم سيطول .
والواجب على المجتمع ان يتحرك تجاه هذه القضية ويساهم ويبذل كل ما يملك في سبيل حلها.
وكل ما أملك هو أن أقول للمعلمين كما قال الشاعر :
“لـو كان لـي ألفـا لساناً شاعراً
اوفيتكم مدحـاً وكان لزامـاً
“أو كنت رسـاماً رسمت جهادكم
عجباً ..!!
فمـالي لم أكـن رسامـا