شجاعة الأستاذ محمود محمد طه : مواجهة الفكر بالثبات والمبدأ

حسن عبد الرضي الشيخ

 

الأستاذ محمود محمد طه ، المفكر السوداني الجريء ، مثَّل نموذجاً استثنائياً للشجاعة الفكرية والإنسانية في مواجهة قوى التطرف وجماعات الهوس الديني. تجسدت مواقفه البطولية في التزامه الثابت بمبادئه وأفكاره الإصلاحية التي سعى من خلالها لتقديم قراءة متجددة للإسلام تُعلي من قيم الحرية ، العدالة ، والمساواة.

 

الوقوف أمام محكمة المهلاوي

كان محمود محمد طه مدافعاً شجاعاً عن حقه في التعبير وعن رؤيته الدينية ، وظهر ذلك جلياً في محكمة الردة أمام القضاة التالفين في العام ١٩٦٨م ، حين واجه اتهامات بالردة بسبب أفكاره التجديدية. لم يتراجع عن مبادئه ، بل ألقى كلمات قوية كانت شهادة على صلابته وإيمانه بأن الفكر لا يُواجَه بالقمع بل بالحوار. في المحكمة ، تحدَّى بمنطقه القوي كل من حاول إسقاطه فكرياً ، معلناً أنه لا يخشى السجون ولا الأحكام الظالمة ، بل يخشى الخضوع للباطل.

 

الصمود أمام المكاشفي طه الكباشي

في العام ١٩٨٥م ، أعاد التاريخ نفسه ، ولكن هذه المرة أمام محكمة أكثر صرامة بقيادة قضاة ضعفاء اخلاقيا ومهنيا امثال المهلاوي والمكاشفي طه الكباشي ، حيث حُكم عليه بالإعدام. ورغم علمه المسبق بمصيره ، واجه المحكمة بثبات نادر. كلماته الأخيرة التي وجَّهها إلى الشعب السوداني قبل تنفيذ الحكم كانت بمثابة وصية للحرية والتنوير. قال في إحدى كلماته : “إن هذا الجسد فاني ، ولكن القضية ستظل حية ولن تموت”. بهذه العبارة عبَّر عن استعداده للتضحية بحياته في سبيل ما يؤمن به.

 

مواجهة الهوس الديني

تميَّزت معركة الأستاذ محمود محمد طه الفكرية بكونها مواجهة مباشرة مع جماعات الهوس الديني التي سعت لإخماد صوت الحرية والاجتهاد. بدلاً من الانسحاب أو التراجع ، اختار محمود المواجهة ، مؤمناً أن قوة الأفكار أكبر من قوة السلاح. لقد قدم نموذجاً يُحتذى به في الصبر والشجاعة ، رافعاً راية التنوير حتى اللحظات الأخيرة من حياته.

 

الإرث الخالد

رغم إعدامه ، بقي إرث محمود محمد طه حياً. أفكاره وأقواله أصبحت نبراساً لكل من ينشد الحرية الفكرية والإصلاح الديني في السودان والعالم الإسلامي. لقد أثبت أن الشجاعة الحقيقية تكمن في قول الحق مهما كان الثمن ، وأن التضحية في سبيل المبادئ هي أعلى درجات الشرف الإنساني.

 

الخاتمة

إن شجاعة الأستاذ محمود محمد طه لم تكن مجرد موقف عابر ، بل كانت درساً عظيماً في التمسك بالحق ومواجهة الطغيان. لقد أثبت أن الإنسان يستطيع بقوة فكره وثباته أن يغيّر مجرى التاريخ ، حتى لو واجه الموت. ويظل اسمه محفوراً في ذاكرة السودان رمزاً للتضحية والحرية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.