عمار نجم الدين يكتب .. الإبادة الجماعية تصافح حلفاءها الجدد
الإبادة الجماعية تصافح حلفاءها الجدد
———————————————————
بقلم: عمار نجم الدين
وبينما تتصاعد الاتهامات من واشنطن بشأن استخدام جيش الإبادات الجماعية لأسلحة كيميائية ضد المدنيين، يخرج علينا من كانوا بالأمس يصرخون من على منابر النضال بحق الضحايا، ليصبحوا اليوم شهود نفي، لا لشيء إلا لأنهم باتوا جزءًا من الوليمة. هؤلاء لم يكتفوا بالصمت، بل اختاروا أن يكونوا جوقة دفاع رخيصة عن ذات المؤسسة التي أحرقت القرى، واغتصبت النساء، وسوّت الأرض بأجساد الأبرياء.
الذين كانوا يتهمون جيش الإبادات الجماعية بكل جريمة في دارفور، صاروا اليوم يطالبوننا بالدليل والبرهان، وكأنهم لم يروا الأجساد المتفحمة، ولم يسمعوا بكاء الأمهات، ولم يسكنوا مخيمات النزوح يومًا. يظنون أن غياب الأدلة العلنية من أمريكا يبرئ الجيش، وكأن العالم مطالب ببثّ المجازر مباشرة حتى يُصدقهم أحد.
وبهذا المنطق، عمر البشير لم يمارس الإبادة الجماعية، وعبد الرحيم محمد حسين لم يكن من كبار مجرمي الحرب بل كان “ملاك رحمة” منحنٍ على معاناة المدنيين، وأحمد هارون كان يوزّع جرعات الحليب والمكملات الغذائية على أطفال دارفور! وأنتم – طوال عقدين – اتهمتم هؤلاء ظلمًا وزورًا، وها أنتم اليوم (تسوقنا بالخلاء والدقداق ) ، وكأن دماء الضحايا كانت إشاعات موسمية في تقارير المنظمات.
منطقكم هذا يقوم على مغالطة التوسل بالجهل، حين يُقال إن عدم نشر أمريكا لأدلتها علنًا يعني أن الجيش لم يستخدم الأسلحة الكيميائية. وهي مغالطة بدائية، لأن غياب الدليل العلني لا ينفي وقوع الفعل، خصوصًا حين يتعلق الأمر بجرائم تُرتكب في الخفاء، وتحاط بتكتم أمني أو سياسي. كما أن تناقضكم الصارخ في تبديل المواقف يكشف مغالطة التناقض الأخلاقي، حيث لا يتغير الواقع بل تتغير مصالحكم، فتنتقلون من موقع الاتهام إلى موقع التبرير، دون خجل أو مراجعة.
لكن القانون لا يعمل بمنطق الهوى. فقه المحاكم الدولية يقر بأن تكرار السلوك المحظور يُعد قرينة على القصد الإجرامي. والجرائم الدولية، خاصة تلك المرتكبة بأسلحة محظورة أو ضمن أنماط متكررة، تُثبت عبر السياق والنمط، لا عبر الفيديوهات وحدها. فهل تبدّل هذا الجيش؟ هل تغيّرت عقيدته؟ هل اعترف بجرائمه؟ هل حوكم قادته؟ لم يحدث شيء من ذلك. إنه هو. جيش الإبادات الجماعية ذاته، يتنفس بأسلوب جديد، ويرتدي أقنعة من ورق النفاق.
القول ببراءة هذا الجيش اليوم ليس موقفًا عقلانيًا ولا قانونيًا، بل سقوط أخلاقي كامل. من يُنكر اليوم استعمال الأسلحة المحرمة، عليه أن يُنكر بالأمس استخدام الاغتصاب كسلاح، والإبادة العرقية كأداة، والتجويع كاستراتيجية. النكران لم يعد جهلًا، بل شراكة كاملة. أنتم لا تختلفون عن القتلة، بل تُعيدون إنتاج القتل بلغة مدنية ناعمة، أكثر وقاحة من الرصاص.
أنتم لا تبرّئون الجيش، بل تعيدون بثّ جرائمه عبر أصواتكم. الجيش لا يحتاجكم ليقاتل، بل ليُشرعن دماءه بوجوهكم. جيش الإبادات الجماعية لا يحتاج إلى بيان، بل إلى محكمة. لكنكم آثرتم أن تكونوا سكاكينه الجديدة.
وإن نسيتم، فالتاريخ لا ينسى.