في عدوى الإفطارات الرمضانية ذات الطابع السياسي التي إنتظمت منازل الإنقلابيين في العام الماضي وماقبل إشعال فتيل الحرب اللعينة ضد الشعب السوداني وضد ثورته السلمية التي رفعت أغصان الزيتون ضد مشروع الإسلام السياسي البغيض ، قال جبريل إبراهيم : بأن البلاد قد وصلت مرحلة من الإحتقان السياسي يتطلب ذلك جلوس كل الأطراف من أجل الوصول بالبلاد إلى بر الأمان !
قال ذلك من دون أي حياءٍ ناسياً أو متناسياً عن عمد مشاركته البرهان وحميدتي في الإنقلاب على حكومة الدكتور عبد الله حمدوك الذي طرح الحوار آنذاك بين كل الفرقاء مدنيين كانوا أم عسكريين بديلاً ومخرج آمن للبلاد من أزمتها التي عاشتها في أيام الإنقلاب العصيبة التي قد سبقت حرب الخامسة عشر من أبريل المشؤومة..
شارك جبريل إبراهيم في جريمة الإنقلاب بموافقة غالب عضوية وشورى حركة العدل والمساوة ، ثم كانت الكُلفة لتلك المغامرة الخاسرة سقوط أكثر من (120) من شباب الثورة مابين شهيدة وشهيد وعدد مئات الجرحى والمصابين، ثم عزلة دولية من جديد مع توقف تام لعجلة الإصلاح الإقتصادي الذي بدأ بطيئاً، أعاد للجيش شركة زادنا في فجر الإنقلاب من أجل البقاء وزيراً لمالية الإنقلاب وغض البصر عنه وعن إطماعه وهو يعبث بمال الشعب ويصرفه بسخاءٍ على العاطلين من أفراد وجماعات الحركة وقد وصل به الحد لدرجةٍ عجزت فيها المالية عن دفع الأجور والمستحقات للعاملين في الدولة ، فضلاً عن ذلك تسبب في خروج خدمة التأمين الصحي للمواطنين في غالب ولايات البلاد متعمداً تجاهل الأمر وخطورة ذلك بكل غرور وصلف الإسلاميين الذي يفوق الحد !
ثم أعاد إلى لصوص الحركة الإسلامية ومنسوبيهم أموال الشعب التي نهبوها من خزائن الدولة منها على سبيل المثال وليس الحصر (إمبراطورية) الفاسد عبد الباسط حمزة، وقدمها عربوناً سخياً لهم لأجل تحالف جديد وقادم ضد الثورة ومطالبها النبيلة وقطع طريق الإنتقال نحو النظام الديمقراطي والدولة المدنية ، ثم أخيراً وبعد فوات الآوان قد أدرك بأن البلاد قد وصلت إلى مرحلة الإحتقان عندما شعر بالخطر على كرسي الوزارة الذي جلس عليهِ بفضل عطاء ثورة ديسمبر الخالدة ودماء الشهداء الأبرار؛ وظف جبريل كل أموال الدولة لبناء وترميم الحركة التي توالت عليها الهزائم والصدمات ما قبل الثورة بفقدانها العِدة والعتاد العسكري؛ ناهيك عن الهزائم النفسية لهم مابعد الثورة بعد أن تبيّن لعموم الشعب السوداني أكذوبة النضال ورفضهِم لمشروع الحركة السلطوي والفاسد القادم والقائم على أنقاض المؤتمر الوطني المُباد من حيث الفساد المُمنهج والتمكين والمحسوبية والجهوية الذي شكّل فعل مضاد للثورة ودونكم إعفاءات بالجملة لقادة الحركات من تعريفة الجمارك لإدخال أساطيل من السيارات والحاويات التجارية في ذلك الوقت، والتصديق لعبد العزيز عُشر في ظِل غياب حكومة لإقامة مصنعاً للنسيج في ولاية سنار، وبذلك قد جاء (المتعافي) في ثوبٍ جديد للفساد من رحَم الإسلاميين وأدعياء الهامش الكذوب !
أخيراً أدرك جبريل إبراهيم بأن البلاد قد وصلت إلى مرحلة الإحتقان والطريق المسدود !! ، ثم حمَّل قائدي الجيش والدعم السريع المسؤولية عما تُسفر عنه الأيام القادمة مهدداً في حال التوقيع على أو تنفيذ بنود الإتفاق الإطاري ؛ ومن سخريات القدر كان هو شريكهم الأصيل في الإنقلاب الذي أسموه كذباً وبهتان (تصحيح مسار الثورة) ! ، مرسلاً بذلك تهديداً مبطن لحلفائهِ بعد أن إهتزت الأرض من تحت أقدامهِم وتحركت الرمال نحو المجهول..
تحالف مليشيات جوبا المُعلن مع جنرالات اللجنة الأمنية والغير مُعلن مع عددٍ من الدوائر والأشخاص في حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية لعمري هو تحالف تكتيكي مرحلي فقط وهو أهون من بيت العنكبوت وحتماً سوف يتداعى وينهار لأنه قائم على مبدأ المال والسلطة الذي توسعّت أطماعها وشحّت مواردها مابعد قيام وأثناء الحرب، تم التخطيط لبناء ذلك التحالف منذ أيام التفاوض الأولى بالعاصمة جوبا وقد ساهمت حكومة جنوب السودان بشكلٍ غير مباشر في إعداد هذا السيناريو المخل من خلال التساهل والإختراق لبعض الوسطاء من قِبل بعض رموز التنظيم الإسلامي ومخابرات دولة الشمال المعادية (مصر) التي سعت بكل ما تملك لعرقلة قيام أي حكومة مدنية لها سلطة تنفيذية نافذة وجهاز رقابي حاسم بعيداً عن سطوة العسكر وإمبراطورية الفساد القائمة وقتذاك التي كانت تمثل الحليف السياسي والشريان الإقتصادي لمصر لعقود طويلة وممتدة..
لذلك كان مشروع الدولة المدنية يقف سداً منيعاً أمام طموحات حركات جوبا ومشروع التمكين الجديد الذي خططوا له من خلال بناء قوة موازية وخلق واقع جديد في المشهد السياسي قائم على الإبتزاز المستمر والمتوالي لقادة الجيش الضعفاء وإستغلال أطماعهم في السلطة ؛ وذلك بهدف إختطاف الدولة وفقاً لرؤية ومشروع حركتي مناوي وجبريل اللتان لا تؤمنان بطرح مبدأ الدولة المدنية في الأساس بقدر إيمانهم بمشروع دولة الكارتيلات والعصابات العابرة للحدود التي كتب عنها الأستاذ بكري الجاك باسهاب وتعمُق في وقتٍ سابق..