* لم يكن (الإسلامُ) كلمةً تحتملُ اجتهادَ المجتهدين أو “رأي” ذوي الرأي في معناها ، فقد حدَّد كتابُ الله حُدُودَ و معاني هذه الكلمة العظيمة تحديداً لا يبقى معهُ أدنى احتمالٌ لأي التباس أو اختلاف بين اثنين في حقيقة ما تعنِيه ، و حيثما وردت كلمة “الإسلام” أو مشتقاتها في كتاب الله تجدُ فائدة جديدة في تجليات معناها العظيم، و لكن – مع ذلك – قضى اللهُ تعالى أن تنطمس بصائر الكثيرين عن إدراك أسرارِ هذه الكلمة الباهرة، و من عجائب أقدار الحكيم العليم أن يطمس عن إدراك معنى “الإسلام” بصائر قومٍ يزعمون دون خلق الله أنّهُم هُمُ المسلمون!!..
* كأنَّهُم لم يُدرِكوا أن “الإسلام” هُو – بالضبط – نقيضُ الإجرام (و ليس نقيض الكفر ، و لا نقيض الإلحاد، و لا نقيض النفاق) و أنَّ الله تعالَى قد قضى ، منذُ أن خلق البشر ، أن لا يشِذَّ أحدٌ منهم عن أن يكون إمَّا مُسلِماً ، أو مُجرِماً ، و لا خيار ثالث لك يا عبد الله ، إن لم تكن مسلماً فأنت مُجرمٌ ، و إن لم تكن مجرماً فأنت مسلِم..
* فالله تعالى “و ليس أحداً من السلف ” هو من قدَّم طرفي معادلة الإسلام و الإجرام ، بسؤاله الاستنكاري :-
({أفنجعلُ المُسلمِين كالمُجْرِمِين؟؟* مالَكُم كيفَ تَحْكُمُونْ})
* و هُو تعالى من عرَّف معنَى الإجرام في أكثر من سياق من سياقات الخطاب القرءاني العظيم ، فكان أوَّل ما أفصحت عنهُ هواجس الملائكة الكرام ، حين أخبرهم ربُّهم أنَّه تعالى {جاعلٌ في الأرضِ خليفة} ، و قد عرَفُوا أنّ هذا الذي يريد الله أن يجعلهُ خليفة هُو من جنس قومٍ سبقوهُ فأجرمُوا ، فتساءلُوا حائرين : {أتجعلُ فيها من يُفسِدُ فيها و يَسفِكُ الدِّماء؟؟}
* أعلى مراتب الإجرام هُو ما أنكرتهُ الملائكة على جنس البشر الذين سبقوا آدم عليه السلام، و هُو تحديداً : –
1- الإفسادُ في الأرض
و الإفسادُ معنى جامعٌ لكُلِ فعلٍ يغيِّرُ فطرة الأشياء ، كُلُّ تحريف للأشياء عن فطرتها التي فطرها الله عليها هُو إفسادٌ في الأرض، إهلاكُ الحرث و النسل “و النسل في هذا السياق معنيٌّ به نسلُ الأنعام ” فسادٌ عظيم ، تلويث الماء فسادٌ عظيم، تدمير المنازل أو إحراقها ، قصف الجسور ، قطع الطرق ، و كُل من يفعل شيئاً من مراتب الإفساد هذه جزاؤه في كتاب الله محدد ( أن يقتَّلوا ، أو يُصلَّبوا، أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف) بل إن الإفساد في الأرض معرَّفٌ في ذات الآية السابقة بأنه “حربٌ لله و رسوله”..
2- سفكُ الدَّماء
الأمرُ الثاني الذي شهدت عليه الملائكة في من سبقوا آدم عليه السلام على الأرض هو سفك الدِّماء ، و لا شيءَ في كتاب الله تعالى أعظمُ حُرمةً من الدّم البشري الذي يُسفك بغير وجه حق ، و لا حق – في كتاب الله – يبيح سفك دم أحد من البشر ، أياً كانت ملَّتُه ، إلا القصاص لقتيل ، أو الإفساد في الأرض (على الوجه المفصل أعلاه في معنى الإفساد، و ليس على مزاج أو تقدير حاكم ظالم أو فقيه منافق) ، وفي غير هذين الموضعين حرَّم الله و عظَّم حرمة الدم البشري و جعل مصير من يسفكه الخلود في النار.
* الآن ، ترى من هُم (المُجرمون ) حقَّاً ، الذين لم و لن يكونوا أبداً مسلمين ما لم يكفُّوا عن الناس شرّهُم؟؟، من هُم ، في بلدنا هذا ، الذين يُفسدُون في الأرض؟، يدمرون البنى الأساسية؟ ، يقصفون منازل الناس فيحيلونها أكوام تراب؟، يقصفون الجسور التي أنفق عليها مال و دماء و دموع ؟
* من هُم المجرمون الذين يسفكون الدماء دون أن يطرف لهم جفن ؟ من هُم الذين أشعلوا – أواخر رمضان الماضي – هذه الحرب الملعونة (تحت شعارات الإسلام) الذي هو والله أبرأ منهم من الذئب من دم يوسف؟؟ من هُم الذين دمَّروا الدولة و شرَّدُوا الناس ؟؟ من الذين أجاعوا الناس و أفقروهم ؟؟ من الذين بدَّدُوا الأمن و نشروا الخوف ؟؟ من هُم الذين تنازل لهم الناس عن ثمانين بالمائة من ثرواتهم لأجل توفير الأمن ، فسرقوا المال و عجزوا عن أدنى واجباتهم ؟؟
* من هم المجرمون ؟؟
السابق