أنفاق وصواريخ في السودان: هل تصبح الخرطوم ورقة ضغط إيرانية جديدة ضد واشنطن وتهديد إسرائيل؟

🔺مقدمة:

في خضم تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، تتوالى التقارير المقلقة بشأن تعمّق التعاون العسكري بين إيران والسودان، حيث تعمل طهران على إنشاء ترسانة عسكرية متكاملة وبنية تحتية عسكرية تابعة لها على الأراضي السودانية. وتأتي هذه التحركات في لحظة بالغة الحساسية، تزامناً مع عودة الإسلاميين إلى واجهة المشهد السياسي، وتعزيز نفوذهم داخل المؤسسة العسكرية وفي توجيه السياسة الخارجية، وذلك عقب اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، ما يعكس واقعاً يهدد بتحويل السودان إلى منصة متقدمة للنفوذ الإيراني في إفريقيا، وساحة محتملة لتصدير الأزمات الإقليمية.

ويزداد المشهد تعقيداً مع تصاعد المخاوف الإقليمية والدولية من تحوّل السودان إلى ساحة جديدة لحرب بالوكالة ضد إسرائيل، في ظل تقارير تتحدث عن تصاعد النشاط الاستخباراتي الإيراني في المنطقة. كما أن الوجود العسكري الإيراني في السودان يمثل تهديداً مباشراً لأمن البحر الأحمر، أحد أهم الممرات الحيوية للتجارة العالمية، ما يضع المجتمع الدولي أمام تحديات جيوسياسية وأمنية معقدة.

وتأتي هذه التطورات في وقت حساس يتزامن مع استمرار المحادثات الأمريكية-الإيرانية بشأن برنامج طهران النووي، والتي من المرتقب أن تُستأنف جولتها الثالثة السبت المقبل في العاصمة العُمانية مسقط، وسط أنباء تتحدث عن رفض إيران إدراج صواريخها بعيدة المدى ضمن المحادثات واقتصارها على البرنامج النووي.

وفي هذا السياق، حذّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في مقابلة مع صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية، من أن التأخير في التوصل إلى اتفاق مع إيران قد يمنحها فرصة لتعطيل آليات الرقابة أو المضي في رفع مستويات تخصيب اليورانيوم.

في هذا التقرير، نسلّط الضوء على أحدث تفاصيل التواجد العسكري الإيراني في السودان، وتداعياته المحتملة على الأمن الإقليمي والدولي، في ظل صراع محموم على النفوذ في واحدة من أكثر مناطق العالم قابلية للاشتعال.

🔺شبكة أنفاق عسكرية وصواريخ إيرانية في الخرطوم :

أكدت مصادر عسكرية سودانية موثوقة وصول معدات عسكرية إيرانية ضخمة، يُعتقد أنها صواريخ، إلى مجمّع أنفاق تحت الأرض شاركت إيران في تشييده منتصف التسعينيات، ويقع تحت مرتفعات جبل جاري، جنوب شرق مجمع التصنيع الحربي، شمال منطقة الجيلي في بحري شمال العاصمة الخرطوم.

وأوضحت المصادر أن خبراء عسكريين تابعين للحرس الثوري الإيراني زاروا الموقع مطلع الشهر الجاري، مشيرة إلى أن المجمع يضم 13 مدخلًا محصنًا، وقد أُعيد تأهيله في السابق بمساعدة إيرانية ليكون مستودعًا وقاعدة محتملة للصواريخ.

وبحسب معلومات متطابقة من مصادر أمنية وعسكرية في بورتسودان، فقد وصلت مؤخراً شحنات من الأسلحة والمعدات العسكرية، من ضمنها طائرات مسيّرة حديثة، وأنظمة اتصالات ورادارات عسكرية، إلى جانب أنظمة دفاع جوي متطورة، بما في ذلك نظام الإنذار المبكر المعروف بـ”مطلع الفجر 1” (Matla Al-Fajr-1).

وأفادت المصادر أن جزءًا من هذه الأسلحة، إلى جانب معدات عسكرية ثقيلة أخرى تعذّر تحديد نوعها، نُقل لاحقًا إلى الخرطوم. وتوقعت أن هذه المعدات ليست مخصصة للاستخدام في الحرب الدائرة داخل السودان، بل خُزّنت لصالح إيران ضمن ترتيبات استراتيجية أوسع.

وفي تعليق على هذه التطورات، قال خبير عسكري سوداني – طلب عدم الكشف عن هويته – إن إيران تستغل هشاشة الوضع في السودان، وضعف القيادة السياسية والعسكرية، لتحقيق أجندتها التوسعية في المنطقة. وأضاف أن طهران اقترحت سرًا، عبر مسؤولين في بورتسودان، بروتوكولًا للدفاع المشترك، ما يُعدّ مؤشرًا على مساعيها لتحويل الأراضي السودانية إلى منصة لتصفية حساباتها مع خصومها، لا سيما مع إسرائيل.

وأعرب الخبير عن مخاوفه من أن يؤدي هذا التورط إلى إدخال السودان في صراعات دولية تتجاوز قدرته على التحمل، محذرًا من تداعيات محتملة على الأمن القومي السوداني والإقليمي.

وعند سؤاله عما إذا كان الإسلاميون داخل الجيش يقفون وراء التمركز العسكري الإيراني المتزايد، قال: “بلا شك، الإسلاميون هم المستفيدون الأساسيون من هذا التحالف، ويعملون بجد لترسيخه، غير أن شخصية عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، المترددة وغير الحاسمة، هي التي سهلت ذلك”.

ووصف البرهان بأنه “شخصية مراوغة وغير ثابتة في مواقفه”، مضيفًا: “يُسمع كل طرف بما يريد سماعه، دون التزام فعلي بأي وعود، ويتبنى مواقف متناقضة بحسب الظرف”.

🔺بداية العلاقات العسكرية؛

كانت بداية التنسيق والتعاون العسكري الإيراني/السوداني عقب زيارة قام بها الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني إلى الخرطوم في ديسمبر 1991، ولقائه بالرئيس السوداني المعزول عمر البشير وقادة الحركة الإسلامية السودانية، الذين وصلوا إلى الحكم بعد انقلاب عسكري نفذوه في يونيو 1989 على الحكومة الديمقراطية التي كانت قائمة آنذاك. وقد جاءت تلك التطورات في ظروف مشابهة للواقع الراهن في السودان، حيث كانت البلاد تخضع لحصار وعزلة إقليمية ودولية بسبب الانقلاب.

عقب الزيارة مباشرة، بدأت الوفود الأمنية والعسكرية الإيرانية في التوافد على الخرطوم، وتوّج ذلك بتشييد مجمع مصانع اليرموك للأسلحة في مطلع عام 1993، على يد الحرس الثوري الإيراني، بهدف إنتاج الأسلحة والصواريخ الباليستية تحديدًا، لخدمة المصالح الإيرانية وتعزيز مخزونها الاستراتيجي من السلاح وتوسيع نفوذها الإقليمي. وقد تم تهريب تلك الأسلحة والصواريخ إلى حركة حماس في قطاع غزة تحت إشراف الأجهزة الأمنية والعسكرية في الخرطوم، واستمرت عمليات التهريب حتى دُمّر المجمع بالكامل جراء قصف جوي إسرائيلي في 23 أكتوبر 2012.

ولم يتوقف التعاون الأمني والعسكري بين طهران والخرطوم عقب الغارة الإسرائيلية، بل استمر حتى يناير 2016، وهو تاريخ قطع العلاقات بين البلدين، وذلك بعد ضغوط خليجية مكثفة على الرئاسة السودانية، لعب فيها طه عثمان الحسين، مدير مكتب الرئيس المعزول عمر البشير آنذاك، دورًا محوريًا. وقد اتُّخذ القرار دون علم الإسلاميين، الذين فوجئوا بإعلان قطع العلاقات في بيان صادر باسم وزارة الخارجية، التي كانوا يسيطرون على مفاصلها، من دون أي تنسيق أو تشاور معهم.

وقد كانت نتائج العلاقات الإيرانية–السودانية كبيرة على المستويين العسكري والسياسي؛ إذ أفادت دراسة صادرة عن برنامج مراقبة الأسلحة الخفيفة، وهي مؤسسة بحثية مستقلة مقرها سويسرا، بأن طهران لعبت دورًا رئيسيًا في تصنيع الأسلحة داخل السودان، حتى أصبحت ثاني أكبر مورد للسلاح إليه.

كما نشرت صحيفة (الانتقاد) في أواخر عام 2015، وهي صحيفة إلكترونية كان يصدرها حزب الله اللبناني – متوقفة حاليًا – أن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، اجتمع مع 300 سوداني من الطلاب الدارسين في معهد شيعي بمدينة قم يحمل اسم الخميني.

ويُتداول على نطاق واسع في السودان أن عشرات من الشباب الإسلاميين السودانيين الذين تلقوا دراسات دينية في الحوزات الإيرانية، قد جرى استيعابهم عقب عودتهم إلى الخرطوم في وظائف بوزارة الخارجية.

وتفيد مصادر سودانية عديدة أن عدد الخبراء الأمنيين والعسكريين الإيرانيين في السودان قبيل قطع العلاقات كان يُقدّر بنحو 900 فرد، فيما أكدت لنا مصادر أمنية عالية الموثوقية أن عددهم بعد اندلاع الحرب الحالية في السودان قد بلغ 117 عنصرًا أمنيًا وعسكريًا يقيمون بشكل دائم، بخلاف الزائرين والدبلوماسيين المقيمين.

 

الراكوبة

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.