سلطة الأمر الواقع تبحث عن فتوى لبيع ممتلكات المواطنين المنهوبة
سلطة الأمر الواقع تبحث عن فتوى لبيع ممتلكات المواطنين المنهوبة
أثار حديث وكيلة وزارة العدل ورئيسة القطاع القانوني في سلطة الأمر الواقع، هويدا علي عوض الكريم، جدلا واسعا وردود فعل غاضبة بعد سعيها ووزارتها للاستحواذ على ممتلكات المواطنين المنهوبة لبيعها وايداع قيمتها في ما يسمى بصناديق تعويضات.
وتسببت الفكرة في ردود فعل مختلفة في الأوساط الاجتماعية وسط تعليقات ساخرة مثل “حاميها حراميها” وغيرها من التعليقات الرافضة للتصرف في ممتلكات مواطنين شردتهم الحرب وفقدوا كل ما لديهم من ممتلكات، باعتبار أنه لا يوجد منزل من المنازل المهوبة لا يمتلك أسطوانة أو اثتنين او ثلاثاً من أسطوانات الغاز أو غيرها من الممتلكات التي خولت وزارة العدل نفسها وكيلة عن المواطنين تتصرف في ممتلكاتهم بالبيع.
ورد ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الفقهاء اتفقوا على أنه إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة، أو مغصوبة، أو أن مَن يعرضها لا يملكها ملكاً شرعيّاً، وليس وكيلاً في بيعها: فإنه يحرم عليه أن يشتريها، لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان.
وكانت وكيلة وزارة العدل ورئيسة القطاع القانوني، هويدا علي عوض الكريم، أكدت في تصريحات سابقة، وجود تقارير رسمية من ولاية الخرطوم تفيد بوجود كميات كبيرة من المسروقات في المخازن، والتي تشمل أنابيب الغاز وثلاجات وشاشات وغيرها من الممتلكات.
وأوضحت أن تعامل السلطات المحلية مع هذه الممتلكات اختلف بشكل كبير، حيث اعتبرتها بعض الولايات “مهملات”، بينما قامت أخرى ببيعها وتوجيه عائداتها إلى صندوق التعويضات، دون وجود رؤية موحدة.
وأشارت إلى أن الوزارة أحالت القضية إلى المحامي العام لإصدار فتوى قانونية ملزمة تحدد الإجراء القانوني الموحد للتعامل مع هذه المنهوبات في جميع الولايات، مؤكدة أن القطاع القانوني يقوم بدراسة الملف بشكل شامل استعداداً لإصدار قرار يستند إلى الأطر القانونية السودانية والدولية.
وأثارت هذه التصريحات جدلاً كبيراً في الأوساط القانونية والسياسية ومنصات التواصل الاجتماعي، وتزايدت المخاوف من إمكانية أن تؤدي إلى إنشاء سابقة قانونية في بلد لا يزال يعاني من تداعيات حرب مدمرة.
وأشار المحامي المعروف وأحد مصممي الوثيقة الدستورية لعام 2019، ساطع الحاج، في حديثه لـ”العربية.نت” إلى أن “النهب لا يُعتبر فقط جريمة جنائية محلية، بل هو جريمة محددة في القانون الدولي الإنساني”.
وأوضح أن “المال المنهوب يشمل كل مال منقول أو ثابت تم استغلاله بالإكراه وفي ظروف قهرية، دون موافقة مالكه، وبتوجه نحو التملك أو التصرف فيه”.
وأشار إلى أن “هذا ما ورد في المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، كما تم تضمين نفس التعريف في النظام الأساسي لمحكمة روما الجنائية، الذي اعتبر النهب خلال النزاعات المسلحة جريمة من جرائم الحرب”.
وأكد أنه “يجري تجريم النهب بشكل صريح في القانون الجنائي السوداني، ويُعاقب عليه بعقوبات صارمة.
كما أشار إلى أنه “لا يحق للدولة أن تكتسب ملكية الأموال المنهوبة، حيث إن التملك لا يتم من خلال النهب، الذي يعتبر عملاً ممنوعاً وغير قانوني.” وبناءً على ذلك، اعتبر أنه “لا يمكن للدولة أن ترى نفسها مالكة لهذه الممتلكات، ولا يحق لها بيعها أو تحويل عائداتها إلى أي صندوق، بما في ذلك صندوق التعويضات”.
واعتبر أن تعقيد القضية لا يمكن حله من خلال فتوى قانونية فقط. وأكد أن “الوضع على الأرض معقد للغاية.. نحن أمام كميات كبيرة من الممتلكات المسروقة، بعضها يعود لأفراد والبعض الآخر لمؤسسات حكومية أو خاصة.. ويتطلب التعامل معها تشكيل لجان وطنية متخصصة تتولى استعادتها لأصحابها، مع ضمان المساءلة القانونية للمسؤولين عن عمليات النهب”.
وأكد وجود أبعاد سياسية لا يمكن تجاهلها، قائلاً: “قد تلجأ الدولة إلى اتخاذ قرارات سياسية تحت مسمى إزالة الأنقاض أو دعم إعادة الإعمار، لكنها ستواجه تحديات قانونية وشعبية من المتضررين إذا لم تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الحقوقية والإنسانية.” “دروس من تجارب دولية”. واستند الحاج إلى عدة تجارب دولية في هذا الصدد.
وأشار إلى أنه “في البوسنة والهرسك بعد الحرب بين عامي 1992 و1995، تم تأسيس لجان لإعادة الأموال والممتلكات المسلوبة إلى المواطنين وليس لمصلحة الدولة، وكذلك في رواندا بعد مجازر عام 1994، وفي سيراليون وليبيريا بعد الحرب الأهلية”.
وحذر من اتخاذ إجراءات قد تزيد من تفاقم الأزمة، قائلاً: “إذا استمرت الدولة في بيع الأموال المنهوبة وتخصيص عائداتها، فسوف تواجه معارضة قوية من المواطنين، لأن المسألة تتعلق بحقوق الضحايا الذين فقدوا كل شيء خلال حرب مدمرة أظهرت آثارها على الجميع.” ورأى أنه لا ينبغي أن تُستخدم الفتوى كسبب لتبرير تشريع ما لا يجوز تشريعه.
مداميك