علي يس يكتب: في رثاء مريض قتله الدواء !!!

 

شئنا أم أبينا ، المجتمع السوداني في عمومه تربة عالية الخصوبة لمحفزات (الفوضى الأمريكية الخلاقة) حتى لكأن مهندسي تلك السياسة الخبيثة ، حين وضعوها ، كانت أعينهم على شعب السودان ، بخصائصه الفريدة سلباً و إيجاباً!!!..
لا أشك أبدا أن القوى المسيطرة على القرار الأمريكي تحتفل الآن بالنجاح الباهر لسياستها في السودان ، الذي ترى فيه نموذجا مثالياً لما ينبغي إجراؤه على بقية الشعوب الأفريقية و الشرق أوسطية ، استهدافا لغايتهم الأخيرة المتمثلة في (المليار الذهبي) بعد التخلص من “الزوائد البشرية” التي تمثل أربعة أخماس سكان الكوكب!!!..
لكن.. لماذا كان المجتمع السوداني هو الأنسب لاختبار فاعلية الفوضى الخلاقة ؟؟..

برغم كل المزايا المبهرة في الوحدة الأساسية المكونة للمجتمع السوداني – أعني الفرد السوداني النموذجي – فإن عاطفيته الاستثنائية شكلت حجر الزاوية في قابليته للانقياد غير المشروط لأي مؤثر عاطفي. فالإنسان السوداني عاطفي في كل انحيازاته الحيوية ، إجتماعية كانت أم آيديولوجية :
عاطفي جداً في انحيازه الديني
عاطفي جداً في انحيازه الإثني
عاطفي جداً في انحيازه الجهوي
عاطفي للغاية في انحيازه الأخلاقي.

هذا النزوع العاطفي في الشخصية السودانية ، بقدر ما هو مسؤول عن عديد المزايا النبيلة التي كثيراً ما كانت محل إعجاب الآخرين ، فإنه يتصدر – في جانبه المظلم – محفزات الانقياد للفوضى.
تطرفنا العاطفي يقودنا إلى (شبكة) مهولة من التطرف ، شاملاً الدين ، العرق أو القبيلة ، الجهة ، الأعراف والتقاليد الاجتماعية ، و ينحدر بنا التطرف إلى حدود المدينة ، القرية ، العائلة ، و حتى الأسرة!!!..
هذه الميزة التي تبدو إيجابية من السطح ، تكتنز في عمقها الكثير من الكوارث ، فالعاطفة مثل الدواء: قليلها يشفي ، و كثيرها يقتل!!..
تطرفنا العاطفي وحده يقف وراء تجاهلنا التام للمؤسسية
و يقف وراء استهانتنا بالشرائع و القوانين أيا كان مصدرها ، حين تناقض انحيازنا العاطفي ،

و يقف وراء “اللا عقلانية” في معالجتنا لكثير القضايا ، كما يقف وراء تجاهلنا أو نسياننا للكثير من “الجرائم” في حقنا كأمة ، فقط لأننا أحببنا “المجرمين” ذات يوم غابر ، و استذكرنا حين شخصت أمامنا جرائمهم أنهم من “جلدنا” الذي لا ينبغي أن (نجره في الشوك) !!!…
في هذه الحرب الملعونة ، و المصممة أمريكيا بامتياز ، علمنا ذلك أم جهلناه ، يتم اقتيادنا بإعلام ظاهره “الكيزان” و باطنه الصهاينة ، باستغلال بشع لعاطفيتنا العريقة ، يتم اقتيادنا نحو حتفنا ، فنتلاعن إثنيا ، و نتنابذ جهويا ، و ننسى تماماً السبب الجوهري لهذه الحرب و من أشعلها ، و نتشبث – في جنون عاطفي – بأعراض الحرب و انتهاكاتها ، و نقف سدا منيعاً أمام كل منطق عقلاني في التعاطي مع واقع الحرب!!!…
لقد تم استغلال تطرفنا العاطفي بحرفية عالية ، و ها نحن نشتم ، بنزق أحمق ، كل من يحاول إنقاذنا من الفخ الذي وقعنا فيه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.