السودان المنهك.. بين خطابات البرهان ومعاناة الشعب
المشهد الكارثي يعكس واقعا مفزعا حيث قادت سياسات البرهان ومن يقفون وراءه من تنظيم الإخوان المسلمين البلاد إلى شفا الانهيار ليس فقط في بنيته التحتية، ولكن أيضا في نسيجه الاجتماعي.
الذكرى التاسعة والستون لاستقلال السودان تأتي هذا العام في ظل ظروف غير مسبوقة من التحديات التي تعصف بالبلاد، حيث يجد الوطن نفسه محاصرا بين نار الحرب ومآسي الانهيار الإنساني. في هذا السياق، خرج قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بخطاب أثار استياء الكثيرين لما حمله من تجاهل واضح للحقائق على الأرض، ولما بدا فيه من بعد عن إدراك عمق الأزمة الراهنة.
فالخطاب خلا تماما من أيّ طرح جاد للحلول التي قد تسهم في وقف الحرب أو التخفيف من معاناة الشعب السوداني. لم يشر البرهان إلى المجاعة التي تضرب البلاد، رغم التقارير الدولية والمحلية التي تؤكد تفاقم الوضع الغذائي إلى حد الكارثة. كما تجاهل بشكل كامل الانهيار التام في النظام الصحي، حيث المستشفيات مدمرة أو مغلقة، والمرضى يعانون من نقص الأدوية والرعاية الأساسية. أما الوضع الأمني المتدهور الذي أدى إلى تهجير الملايين من السودانيين وقصف المدنيين بالطائرات، فقد بدا كأنه غير حاضر في حسابات البرهان أو اهتمامه.
الأكثر إيلاما أن قائد الجيش اختار أن يقيم في مدينة بورتسودان، بعيدا عن ميادين الحرب التي كان من المفترض أن يكون مسؤولا عن إدارتها وإنهائها. هذا الهروب إلى الأمام يعكس فشلا في القيادة وإقرارا ضمنيا بعدم القدرة على السيطرة على الوضع. في الوقت نفسه، فإن صمت الخطاب عن انسحاب الجيش من مواقع إستراتيجية وتركه المواطنين لمصيرهم المجهول يطرح تساؤلات عميقة حول مدى التزام المؤسسة العسكرية بواجبها الأساسي في حماية الشعب والوطن.
◄ السودان لا يحتاج فقط إلى إنهاء الحرب، بل إلى رؤية جديدة تُبنى على قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة، رؤية تعيد للمواطن السوداني كرامته وتمنحه الأمل في مستقبل أفضل
الأمر الذي يزيد من تعقيد المشهد هو الدور الذي تلعبه بعض فصائل الإسلاميين الذين أعلنوا صراحة أنهم من يدافعون عن البلاد، في تقليل واضح من دور الجيش وتهميش متعمد لقائده. بل وصل الأمر إلى حد وصف البرهان بأنه “بلا دين،” وهو تصريح يعكس صراعات داخلية متأججة بين مختلف التيارات الإسلامية التي يبدو أنها تحاول استغلال الحرب لتحقيق مصالحها الخاصة. هذه التيارات تدير الحرب ليس فقط بهدف السيطرة، بل أيضا لإحداث أكبر قدر ممكن من الدمار، في محاولة منها للهروب من العقاب أو إجبار الشعب السوداني على التسليم بفكرة أنها الوحيدة القادرة على حمايته.
إن هذا المشهد الكارثي يعكس واقعا مفزعا، حيث قادت سياسات البرهان ومن يقفون وراءه من تنظيم الإخوان المسلمين البلاد إلى شفا الانهيار الكامل. فالسودان اليوم يشهد دمارا شاملا، ليس فقط في بنيته التحتية، ولكن أيضا في نسيجه الاجتماعي وفي روح شعبه الذي أنهكته الحروب والانقسامات.
لكن وسط هذا الظلام، يبقى الأمل قائما. هناك ضرورة ملحة للعمل الجاد من أجل إعادة الحياة المدنية والدولة المدنية. هذا العمل يجب أن يكون مدفوعا بضغط محلي ودولي، يتضمن تضافر جهود القوى السياسية والمدنية السودانية للوقوف في وجه الحرب وإنهاء سيطرة التيارات المتطرفة التي لا تسعى إلا لمصالحها الخاصة. كما أن المجتمع الدولي، بما يملك من أدوات ضغط ونفوذ، مطالب اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بدعم الشعب السوداني لتحقيق السلام والانتقال إلى حكم مدني يضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
إن الطريق ليس سهلا، لكنه حتمي. المصالح بين التيارات الإسلامية المتصارعة ستصل في نهاية المطاف إلى تصادم لا محالة، وهو ما يمكن أن يوفر نافذة لتحقيق تغيير حقيقي. السودان لا يحتاج فقط إلى إنهاء الحرب، بل إلى رؤية جديدة تُبنى على قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة، رؤية تعيد للمواطن السوداني كرامته وتمنحه الأمل في مستقبل أفضل.
العرب