الحقيقة الغائبة في السودان .. وصحفيَّون على جِدار الصمتِ والإنكار !

كتب:عبد المنعم عيسى كرار

حديث الأستاذ الصحفي عثمان ميرغني عن من وصفهم بالذين لهم مصلحة في إستمرار الحرب في السودان وإطالة أمدِها هو حديث لاجديدً فيه يُذكر ولا قديماً يُعاد !
ما تفتقت عنه عبقرية الأستاذ مؤخراً كان هو الرأي السائد والصائب الذي يُجانب الحقيقة و يُمثل رأي الأغلبية من العقلاء الذين حذّروا من كارثة الحرب ومخاطر إستمرارها من اليوم الأول لنشوبها ثم نادوا بنزع صفة الشرعية المزيفة عنها و رفضها من حيث المبدأ ؛ في الوقت الذي كان فيه الأستاذ مؤمناً بفرضية الجيش والحزب البائد عن الحرب الخاطفة وحرب الكرامة (كلها 72 ساعة وتنتهي المعركة وأنَّ الجيش سوف يفرض واقعاً سياسياً ودستورياً جديداً بالبلاد) هكذا صرّح الصحفي المخضرم لوسائل الإعلام وبشكلٍ مكرر لحظة بداية حرب 15 أبريل المشؤومة ؛ وكان يُمنّي نفسه بذلك النصر نِكايةً في القوى السياسية المدنية الرافضة لإنقلاب البرهان والرافضة للحرب وعودة المؤتمر الوطني إلى المشهد السياسي من جديد ؛ ولعلّ ذلك لشيئاً في نفسِ يعقوب ، دوماً الأستاذ لم يحالفه الحظ في توقعاتهِ وقراءة المشهد السياسي بشكلٍ حصيف ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة ، وهو من الذين وصمَوا القوى السياسية المناهضة لإنقلاب البرهان بفرية إشعال الحرب في أيامها الأولى رغماً عن غزارة الشواهد التي تُكذب ذلك الإدعاء الأجوف وإعتراف قادة الحزب المُباد فيما بعد في أكثر من لقاءٍ مؤخراً بإشعالهم لهذه الحرب اللعينة ، وهو كذلك من روّج لإشاعة موت حميدتي بعد أن تلق المعلومة من بعض الدوائر السياسية والعسكرية التي كان على صلةٍ بها حتى من قبل تشكيل حكومة الدكتور عبد الله حمدوك في فترتِها الأولي ؛ وبعد أن تأكد له عكس ذلك مضى في إتجاه التضليل الإعلامي متجاوزاً عن الإعتراف بالأخطاء الكارثية عن مُجمل رؤيتهِ للحرب الدائرة وطبيعة الصراع على مركز السلطة في السودان الذي لا يُخفى على أحدٍ.
ما أريد قوله هو بأنَّ الإعلام المُضاد للحركة الإسلامية ضد مشروع الثورة والإنتقال في السودان قد شكّل سلاحاً مُميتاً يفوق حَد البندقية «إن جاز التعبير» خاصةً في عرقلة مسار الإنتقال وإجهاض حكومة الثورة وهو عملٍ مُمنهج ومُرتبٍ له بعنايةٍ وإحِكام ، مع نهايات حُكم الإنقاذ البغيض شكّلت مواقف الصحفيين المنسوبين للحزب المُباد والمدافعين عن سلطة الدكتاتور المخلوع عمر البشير شكّلت حائط صدٍ ودفاع مُستميت عن سلطة مجرمة وفاسدة آيلةٍ للسقوط وإستوَفت كل أسباب الفناءِ والعدم ، وهاهي ذات المجموعة بعد زوال عهد البشير قد إنتقلت مرةً أخري إلى منفى البرهان ولسان حالها يقول : (مولاي إنيّ ببابِك قد بسطُ يديّ) ، كان عثمان ميرغني من ضِمن الذين وقفوا عكس تيار الإنقاذ في ذلك الوقت ضد إمبراطورية الفساد والمُفسدين وكان ذلك الموقف للأمانةِ والتاريخ يُحسب له ؛ إلا أنَّ مواقف ومبادئ الرجل مابعد ثورة ديسمبر المجيدة قد تراجعت القهقري وكانت مُريبة ومضطربة وغير متوازنة في غالب الأحوال من حيث المهنية وطرح الحقائق المجردة ؛ فضلاً عن ذلك هجومه على القوى السياسية الغير مبرر مع تعمُدٍ واضح وفاضح عن تجاوز جرائم العسكريين منذ جريمة فض الإعتصام وحتى القتل المُمنهج للثوار ومن ثمْ إشعال الحرب الأخيرة في البلاد وآثارها الكارثية والمُدمرة على الكُل.
يظل السؤال هو : لماذا يُفضِل صحفياً متمرّس اللسان ومُحترف القلم دوماً الوقوف على الرمال المتحركة ، هل السبب هو البُعد والإنتماء الإيديولوجي مع الإنكار أم هو الخوف..أم شيئاً آخر ! عموماً يظلُّ موقف الرُجل من طرح الحقيقة كظاهرة المدِ والجزر في البحار والمحيطات ؛ مرةً يكشفُ عن الحقيقة حين إنحسار المياه عن الشواطئ ثم يتركها عاريةً ويتراجع ؛ وتارةٍ يغمُر الحقيقة المُجردة التي لا لبس فيها بالزييف والبُهتان حين تعود المياه إلى عَرض البحر مجدداً ، هجوم الأستاذ الأخير على داعمي الحرب والداعمين لإستمرارها لهو أمراً جيّد ومهم في كشف السِتر عن هذه الحرب وتعريتها بالكامل وقد خصّ بذلك الهجوم حركات جوبا المتحالفة مع البرهان وقائد قوات الدعم السريع من جهةٍ ؛ ثم تجاوز على إستحياءٍ ذكر قادة الجيش الفاسدين ورغماً عن ذلك التجاوز أتمنى أن يظلّ على موقفهِ هذا من حيث المبدأ وأن لا يبرحُ مكانهِ حتى تعلوا رأية الحقِ خفاقة.
قال الأديب زكي نجيب محمود : أسّ البلاء في مجال الفكر هو أن يجتمع السيف والرأي الذي لا رأي غيره في يدٍ واحدة ، فإذا جلا لك صاحب السيف صارمه ، وتلا عليك باطله ، زاعماً أنه هو وحده الصواب المحض والصدق الصراح ، فماذا أنت صانع إلا أن تقول له “نعم” وأنت صاغرٌ؟

أديس أبابا 20/8/2024

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.