تحدث كعادته مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا لتلفزيون السودان، وأكد حصولهم على شحنات أسلحة متطورة وأخرى فى الطريق إليهم، وهو حديث يأتى في سياق ذات الدعاية الحربية التى ظل يرددها قائده البرهان و يبدو العطا منذ الوهلة الأولى للمتابع مرتبكاً شارد الذهن فى حالة شبيهة بالتوهان وسط عواصف الحرب التى أشعلوها فأحرقت الجميع لذا لم يخرج خطابة عن كونه دعاية إعلامية وحربية المراد منها رفع الروح المعنوية المنهارة لما تبقي من الجنود، وهنا إستدعى العطا شخصية وزير الإعلام العراقى فى عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، السيد/ محمد سعيد الصحاف وأصبح العطا أحد تلاميذه فى مدرسة الكذب والتضليل وتغييب الآخرين وإن كان الزمان ليس هو الزمان مع الإنفتاح الإعلامي الذي سهل للجميع الوقوف على الحقائق، وهذا ما إكتشفه الناس فى حديث العطا الذي يتنافى مع أعراف وتقاليد التسليح لدى الدول والتشكيلات العسكرية ووفق ذلك لا توجد دولة أو جهة عسكرية تكشف عن تسليحها أوحصولها على سلاح بل الأمر متروك لإستخدام السلاح في الميدان وهذا يؤكد أن العطا مازال يسوق ذات الخطاب القديم لتجييش السودانيين ، كما يبدو أن الرجل يشعر بحالة الإحباط التى يعيشها الجيش وكتائب الإسلاميين والحركات المتحالفة معه، لذا ياتي خطابه فى إطار رفع الروح المعنوية.
ولكن دعونا نفترض أن ماقاله العطا صحيح وأن هناك جهات مدتهم بسلاح متطور وأخرى فى الطريق، كما قال فهل هذا السلاح يمكن له أن يحدث فرق ويحقق له الانتصارات فى حال غياب المقدرة القتالية بين جنده.. ؟؟؟
ألم يكن العطا والجيش يمتلك أكبر ترسانة عسكرية في أفريقيا وأن العديد من جيوش الدول الأفريقية تتسلح من التصنيع الحربى السودانى وباتت الخرطوم مصدر معتمد للسلاح لتلك الدول..؟؟؟
صحيح أن الترسانة العسكرية التى يمتلكها الجيش هى وأحدة من العوامل التى دفعت قادته ومن خلاله الاسلاميين لإشعال فتيل الحرب واضعين يقين حسم الدعم السريع في ساعات أو أيام كما كان يتباهى جنرالاته البرهان وكباشى والعطا..! ولكن تفاجٱ هؤلاء بل تفاجٱ السودانيين جميعاً أن الدعم السريع إستطاع أن يستولى على مواقع الجيش داخل العاصمة، ثم وضع يده على هذه الترسانة العسكرية، إذن ماذا يفيد حصول العطا عل سلاح مجددا..؟؟ أعتقد أن السودانيين الآن لايريدون سلاحا ، فقط يريدون أن يذهب قادة الجيش إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب وتحقيق السلام خلافاً لما ظل يردده العطا أن كل الشعب السوداني متفق على الحرب إلى ما لا نهاية، وفى الحقيقة أن السودانيين يريدون إنتهاء الحرب اليوم قبل الغد.. وهذه هي الحقيقة المجردة، وحال بلادهم تلامس حافة الإنهيار الكلي وهى تعيش الجوع والمسغبة والمرض.
عندما طرحت المبادرة الأمريكية فى جنيف إحتفل السودانيين وصارت تلك الدعوة الأمريكية للتفاوض حديثهم وآمالهم، ولكن كالعادة قادة الجيش يصرون على هذه الحرب التى يكتشف الناس كل صباح أن الجيش يخسرها، بل حتى مجموعات الإسلاميين التى أشعلت، ودعمت هذه الحرب أدركت أنها لا تسطيع كسبها، وأن هذا الاحساس بعدم مواصلة الحرب أدى الى بروز تيارات كبيرة داخلهم تطالب قادة الجيش بالذهاب إلى التفاوض وهو ما فجر الخلاف بينهم ، وهو خلاف قد يقود إلى الانقسام بينهم وخاصة ما تعرف بمجموعة نافع على نافع التى شكلت أمانة جديدة لحزب المؤتمر الوطنى، ومجموعة علي كرتي وأحمد هارون، بل أن داخل قيادة الجيش هناك إتجاه يطالب بضرورة إنهاء الحرب والذهاب إلى التفاوض، ففي وقت يصر العطا على مواصلة الحرب باهظة التكلفة في الأرواح والأموال والدمار ، يرى الكباشى وآخرون ضرورة الذهاب إلى المفاوضات، وقد يكون هذا ما دفع العطا للقول أن البرهان طلب منه التشاور وتسليم قيادة الجيش للفريق الكباشى، وهى إشارة تؤكد حجم الخلاف بينهم، ففي ظل إنخفاض حدة الخطاب الداعي للحرب يحاول العطا إنتاج خطاب جديد يتيح له الفرصة للحصول على مقعد له فى القيادة، ولكنه غير مدرك أن الذين كانوا يهتفون له بإسم الحرب قد غادروا تلك المحطة وعادوا لإنتاج خطاب آخر تحت لافته ضرورة الجلوس للتفاوض حفاظا على ما تبقي من الجيش والدولة من الانهيار.