ولولات السماسرة تبلغ عنان السماء، تباكياً على (الإسلام) و تحذيراً من (العلمانية)!!..
و قبل الحديث عن معنى العلمانية ، و قبل الحديث عن معنى “الدولة” و وظيفة الدولة ، لابُدَّ من طرح سؤال موضوعي :
أين هو الإسلام في السودان اليوم؟؟؟..
إين الإسلام في بلدٍ يحصدُ القتل العمد فيه آلاف الأبرياء ، تسفك فيه الدماء دون تمييز و يعُمُّ الفساد كل زاوية فيه و كل ساحة؟..بلدٌ يتصدَّرُ التبشير بالحرب فيه و بالقتل طوائف من “بنات الليل” و أشباه الرجال؟ بلدٌ يرى بعض قاطنيه في التدمير و التخريب بطولة !!..
دع عنك الإسلام ، أين (الدولة) التي يُرادُ لها أن تتبرَّأ مما يسمونه “رجس” العلمانية؟؟ ..و هل في السودان رجسٌ و هل فيه نجاسة أعظم من سماسرة الدين هؤلاء؟؟أين هي الدولة التي يخاف عليها السماسرة من العلمنة ، بينما لاذ كبراؤهم بدول علمانية تتيح لهم حرية أن يحرضوا على الحرب و القتل و التدمير في بلدهم ؟؟..
حين تضيق الحال بالسفلة في بلدهم (الإسلامي، البريء من رجس العلمانية) يلوذون ببلادٍ تزدهر فيها جنّة العلمانية ، فالعلمانية حلالٌ عليهم وحدهُم ، أمَّا حين يعودون إلى بلدهم ليحكموه ، فالعلمانية حرامٌ على شعبهم الجائع المغلوب المعذّب، لأنهم يريدون له الجنّة ، فالدولة عندهم وظيفتها العظمى إدخال رعاياها جميعاً جنة الآخرة ، شاء الناس أم أبوا ، عليهم أن يساقوا بالسياط إلى الجنة!!.. في مقابل أن يتركوا الدنيا بما فيها لحكامهم الأتقياء!!..
اللهم إنِّي أشهدُ أنَّ هؤلاء الكيزان منافقون.. اللهم إنِّي أشهدُ أنّهم لا يرجون آخرة و لا يؤمنون بها ، اللهم إني أشهدُ أنَّهُم ((يخادعون الله و الذين آمنوا و ما يخدعون إلا أنفسهم و ما يشعرون)) اللهم لا ترفع لهم راية ، و لا تحقق لهم غاية ، و أجعل سوء منقلبهم للعالمين
عبرةُ و آية..
حين توجدُ في السودان دولة ، فلن يرضى المؤمنون حقاً بدستور فيها غير العلمانية، لأن وظيفة الدولة ، حيثما وجدت دولة ، هي خدمة حاجاتهم الدنيوية ، تيسير حياتهم الراهنة في الدنيا و ليس في الآخرة ، فالدولة، منذ أن عُرفت، و حتى تحت قيادة أنبياء مرسلين لهداية الناس ، لم تكن سوى منظومة مؤسسات أُنشئت لتوفير أقصى ما يتاح من رفاه لرعاياها، و حين تنجح الدولة في ذلك ، تتحقق تلقائياً جميع المقاصد العليا للدين.
حين تحقق الدولة لرعاياها (الإطعام من جوعٍ و الأمن من خوف)، سينتفى تلقائياً (الإفساد في الأرض و سفك الدماء) لأن السلام سوف يعُمُّ بين الناس..
حين تحقق الدولة العدل بين رعاياها ، دون تمييز ، سوف تتصاغر الجريمة بكل أشكالها، و لن تتدنس أرضها باللصوص من تجار الدنيا أو تجار الدين .. حينها سيزداد المؤمنون إيماناً و هُم يقرؤون قوله تعالى (( الذي أطعمهم من جوعٍ و آمنهم من خوف))..
حين تترك الدولة “تفتيش” قلوب الناس ، سيكون دين كل متدين خالصاً لربه لا يشرك به حاكماً و لا طاغوتاً..
حين تضطلع الدولة بوظيفتها الأساسية ، تكون قد أصبحت تلقائياً دولة “علمانية”، و هذا هو المطلوب.
التالي