هل تضع منظمة الأمم المتحدة قوانين الحرب؟؟ هل تقررها “إتفاقية جنيف”؟؟ هل تقترحها مجالس الشيوخ ؟؟ أم هل يقررها طرفا الحرب أو أحدهما؟؟.. هراء .. الذي يضع قانون الحرب هي الحرب نفسها .. طرفا الحرب أو أحدهما يشعلها ، ثم تتولى الحرب نفسها كل شيء بعد ذلك.
صحيح أن مبادئ أخلاقية – إستثنائية – يُوصى باصطحابها، و لكن طبيعة و ظروف الحرب هي ما تقرر إمكانية ذلك و ليس النوايا الطيبة.
الله تعالى ، في كتابه العزيز، وضع القانون الأول و الأهم للحرب قبل بدئها و ليس بعد ذلك : (و لا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين) فالعدوانُ هو مبدأ الحرب ، أمَّا حين يبدؤها الطرف الآخر ، فالواجب – حسب الكتاب العظيم – أن (قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) .. و القرءان بعد ذلك ، ثم الرسول صلوات الله عليه ، قرر منظومة من المبادئ الأخلاقية في الحرب كاجتناب المسالمين خارج طرفي الحرب (كالرهبان في أديرتهم و النساء في خدورهن) ، و كاجتناب الإفساد في الأرض “قطع الشجر، تخريب مصادر الماء، قتل الأنعام، إلخ” و قبل ذلك طريقة معاملة الأسرى . و لكن الحرب التي وُضعت لها تلك المبادئ لم تكن فيها قنابل و لا صواريخ و لا مدافع بعيدة المدى و لا براميل متفجرة ولا طائرات مسيرة !!!..
كانت حرباً يستطيع المقاتل فيها أن يختار قتيله دون غيره ، لم تكن (حرب شوارع و مدن) كان ميدان القتال فيها محدداً لا يتسكع فيه (المدنيون) بمصطلح اليوم، و لا تُنصبُ فيه الأسواق، ولا يعقدُ فيه “رجالُ الأعمال” صفقاتهم !!..
طبيعة الحرب اليوم لا تُفسِحُ مجالاً للنوايا الطيبة ، سواءً أراد مجلس الأمن ذلك أم لم يُرِدْ ، الانتهاكات ستحدث من جميع أطراف الحرب ، و هي انتهاكاتٌ ظلت تحدث في جميع الحروب على هذه المعمورة سواءً في الحربين العالميتين أو في الحروب الأهلية في أمريكا أو في جنوب أفريقيا أو في غيرها .. فاتفاقية جنيف لا تختلف – في إبداء النوايا الطيبة – عن قلق أمين عام الأمم المتحدة الذي ظل يعلنه حيال غزة أو حيال الخرطوم!!..
و لكن قادة “جيشنا” و من ورائهم “البلابسة” ظلوا كلما هذروا بصراخهم حول (الانتهاكات) ظلوا يذكرونني بذلك المواطن السوداني الطيب ، الذي أُدين في جريمة ، و كان ينتمي إلى قبيلة لها لهجتها الخاصة و لم يكن يحسن من العربية إلا كلمات معدودة ليس من بينها مصطلحات القضاء، و حين أصدر القاضي حكمه بإعدام الرجل شنقاً نسيت هيئة المحكمة أن تترجم منطوق الحكم إلى لهجة الرجل، فظن المسكين أن القاضي حكم عليه بالسجن بضع سنوات، ثم حين أخذوه إلى ساحة الإعدام ، وبدأو لف حبل المشنقة حول عُنُقه ، استعان الرجل بمخزونه المحدود من الكلمات العربية ليقول للجلاد : .. لكن بالطريقة دي .. حأموت!!..
البلابسة و كيزان الجيش الذين أشعلوا هذه الحرب يرددون هذه الأيام ذات كلمات ذلك الرجل الطيب ، لأنهم في الحقيقة لا يفهمون (لغة الحرب)!!!..
السابق