مناوي والفاشر وتجارة الموت

كتب : مجاهد بشرى

الأربعاء الـ 24 من أبريل، فجأة إندلعت أحداث عنف غير مسبوقة في محلية كرينك بولاية غرب دارفور, وخلال أقل من 24 ساعة، بلغ أعداد القتلى الـ 130 قتيلا من المدنيين الذين لم يجدوا أي حماية بعد انسحاب مفاجئ للجيش و الإحتياطي المركزي من المحلية على إثر اغتيال مجهولين لإثنين من الرعاة.

مما دعا حاكم إقليم دارفور المشارك في سلطة انقلاب الـ25 من أكتوبر للتصريح بأن أحداث كرينك تمت بتورط و تواطؤ من الأجهزة الأمنية، وأن هذه الأحداث أشعلتها شخصيات في الخرطوم, وأن كل أحداث العنف التي سبقت هذه الحادثة, مسؤول عنها الأجهزة الأمنية التي يجب إصلاحها لإيقاف نزيف الدم هناك “حسب وصفه” داعيا البرهان بالإسراع في إجازة قانون إقليم دارفور, والإيفاء بمتطلبات اتفاق السلام, دون أن يتحقق ذلك حتى اليوم.

عقب إندلاع حرب الـ15 من ابريل بين الجيش الذي تقوده الحركة الإسلامية, وبين الدعم السريع, إلتزمت الحركات المسلحة الموقعة على سلام جوبا بحالة الحياد, وسعت للتوسط بين المتحاربين لإيقاف الحرب.

احترمت الاطراف المتصارعة موقف الحركات حيث لم يحدث هجوم من الدعم السريع أو الجيش على جيوش الحركات لشهور, إلى أن أعلنت ثلاث حركات مسلحة بقيادة مناوي و جبريل و تمبور انهاء حالة الحياد بعد ضغوطات علنية مارسها مساعد القائد العام للجيش الفريق ياسر العطا في نوفمبر العام الماضي.

حيث انتقلت الحركات المسلحة من كونها أطراف سلام, وتمتلك سلطة دستورية تسود على أي أحكام يصدرها البرهان قد تتعارض مع سلام جوبا, إلى مجرد فصيل مسلح يقاتل بجانب نفس الأجهزة الأمنية من استخبارات عسكرية و جهاز مخابرات , والتي تسببت في قتل المئات من المدنيين حسب تأكيدات مناوي نفسه في احداث كرينك, ونيرتتي, و كولقي طوال سنوات الانقلاب العسكري الذي كان مناوي أحد أذرعه, ولم يطالب المجتمع الدولي بإدانة مجازر هذه الأجهزة الأمنية, ولم يقوم بجلب العدالة ولو لضحية واحدة من ضحايا أجهزة البرهان.

هذا الموقف الذي فسره كثير من المراقبين على أنه خطوة خرقاء في ظل سيطرة الدعم السريع على معظم دارفور ماعدا مدينة الفاشر التي لم يدخلها نسبة لوجود الحركات المحايدة فيها, مما يعني أن خطوة مناوي و جبريل, وتمبور كانت تعني تعريضهم حياة أهل الفاشر للخطر بصورة متعمدة ومباشرة , نسبة لوجود حركاتهم المسلحة و التي صارت في منزلة العدو الصريح للدعم السريع, وأن وجودها في خاصرته سيشكل خطرا لا يمكن التسامح معه.

اختيار مناوي ورفاقه القتال ضد الدعم السريع وسط رفض قادة آخرين مثل د. الهادي إدريس, و الطاهر حجر لهذا الأمر, منح الدعم السريع الحق في الرد و الهجوم على هذه الحركات التي لم تتخلى عن الحياد فحسب, بل خرقت اتفاق سلام يُعتبر الدعم السريع جزء أساسي منه.

إن خرق الحركات المسلحة لاتفاق سلام جوبا, وتحصنها بمدينة الفاشر مع الجيش المحاصر منذ بداية الحرب, وتسليح المواطنين والزج بهم في حرب لا ناقة لهم فيها و لا جمل, بل و جلبها لديارهم التي كانت آمنة في حالة الحياد,أمر لا يمكن تفسيره سوى بأن هذه الحركات لم تكن تسعى يوماً للسلام, بل تتاجر بموت أهل دارفور من أجل مصالحها الخاصة.

في هذه الأثناء تدور معارك متقطعة في شرق مدينة الفاشر وسط حصار شبه كامل, وتوتر عنيف ينذر بوقوع كارثة إنسانية لا يمكن التكهن بحجمها, أو ابعادها, وعوضاً عن أن يتعقل مناوي الذي يتعلق بلقب حاكم الاقليم الفاقد للشرعية, ويتخذ موقفاً يحفظ حياة المدنيين من أهل الفاشر, نجده يشتكي و يستنجد بالمجتمع الدولي, على الرغم من كونه المسؤول عن هذا الوضع الخطير, وأنه يتحمل المسؤولية الكاملة بجانب شركائه في تعرييض حياة السكان للخطر, دون أي داعٍ أو مبررات.

في هذه الأثناء ندعو الجيش و الدعم السريع على حدٍ سواء إلى تحكيم المصلحة العليا للشعب السوداني, والإسراع بإنهاء هذه الحرب عبر الحل السلمي, وأن أي انتهاكات جديدة, او انسحاب يترك المدنيين عرضة للخطر, سيزيد من حصيلة ضحايا هذه الحرب, ويعقد من المشهد أكثر فأكثر.

حماية المدنيين, وتوفير المساعدات و المسارات الإنسانية واجب على كل من يشارك في هذه الحرب, ويجب أن تتوقف تجارة الموت التي يقوم بها قادة الحركات المسلحة, وعلى رأسهم مناوي..
و أن تتوقف هذه الحرب العبثية اليوم قبل الغد.
ونحن نراقب هذه المرة..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.