فاطمة لقاوة تكتب :”حميدتي!خطاب من عمق الميدان ورسائل تتجاوز الجغرافيا”

بقلم:فاطمة لقاوة

في مساء الثاني من يونيو 2025، خرج قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بخطاب لافت شكلاً ومضمونًا،لم يكن مجرد تصريح ميداني، بل إعلان سياسي استراتيجي، يضع الرجل في خانة الزعامة الوطنية، لا مجرد القيادة العسكرية.

كان واضحًا أن حميدتي يتحدث من موقع الثقة ،حيث أشار إلى تقدّم قواته في كردفان، واقترابها من السيطرة على الأبيض بعد كسر قواته لشوكة الصيادة ودحره.

الإبيض تلك المدينة ذات الأهمية العسكرية والرمزية القصوى للتحولات الكُبرى في السودان.

 فهي ليست فقط مركزًا إداريًا، بل حلقة الوصل بين دارفور، الوسط، والشمال،وهي أرض الأبطال التي أحتضنت كل الثورات السودانية ضد المستعمر وهي اليوم تحضن الثورة السودانية ضد القبضة المركزية.

السيطرة على هذه المدينة، إن تحققت، ستكون تحوّلًا نوعيًا في خارطة الصراع، وستعيد ترتيب أولويات الفاعلين المحليين والإقليميين.

ما ميّز الخطاب هو نزعته الوحدوية الجامعة، فقد توجه حميدتي برسائل طمأنة مباشرة إلى “أهل الشمال”، مؤكدًا أن الحرب ليست ضدهم، بل ضد منظومة فساد وتسلّط عمرها

عقود من الزمان مارست فيه النُخب المركزية الظُلم والتهميش المُمنهج والقمع المفرط.

هذه اللغة التي إتستخدمها حميدتي  لا تُشبه ما نسمعه من الطرف المقابل، حيث يتبنّى البرهان، وياسر العطا، والتيار الإسلاموي بقيادة رموز مثل الناجي عبدالله خطابًا مليئًا بالشحن الجهوي والتقسيم المجتمعي:

 

* العطا يتحدث عن “الخطر القادم من الغرب” ويأمر بإبادة الحواضن ويتنكر للمجتمعات.

 

* الناجي عبدالله يصف الدعم السريع بأنهم “مرتزقة أجانب” ويتوعد قبائل المسيرية والرزيقات والحوازمة،بمسحهم من خارطة الوجود .

 

* البرهان يتبنّى لغة مركزية إقصائية لا ترى إلا الخرطوم ومحيطها ويتوعد بإبادة الدعم السريع وما سماهم بالحواضن،وأشار لذلك بذبحه للبطيخة أمام جنوده إيذانا لهم بقطع الرؤؤوس.

في المقابل، حميدتي يحاول أن

يكون جامعًا ووطنيًا، يمدّ الجسور مع الشمال، ويطمئن الشرق، ويُخاطب الوسط كجزء من ثورة واحدة لا جبهات متناحرة.

لم يغفل الخطاب البُعد الإنساني، بل كرّس له حيزًا مهمًا.

حميدتي خاطب المواطنين بوضوح، مؤكدًا أن المعركة ليست مع الشعب، بل مع المنظومة التي خانته وسرقت ثورته.

بل أكثر من ذلك، أوصى قواته علنًا بـمعاملة الأسرى معاملة إنسانية وأخلاقية، مستندًا إلى القيم السودانية الأصيلة، والتعاليم الإسلامية، والمواثيق الدولية.

هذه الرسالة – وسط مشهد دموي – لا تخلو من دلالة استراتيجية تؤكد أن الدعم السريع قوة  عسكرية منضبطة أخلاقيًا، وتوضح الفرق بينه وبين خصومه الذين ارتبطوا بسجل طويل من القمع والانتهاكات.

ما يُحسب لحميدتي،أنه تجاوز النمط التقليدي لقادة الثورات السودانيه السابقين،في هذا الخطاب، ظهر كزعيم سياسي يعرض مشروعًا يشمل: حكومة مدنية، عدالة، تفكيك النظام القديم، ورفض العسكرة المركزية.

بلغة ثورية مأخوذة من روح ديسمبر.

حاول حميدتي رسم معالم “ثورة مضادة للثورة المضادة”، واضعًا نفسه في موقع امتداد وليس انقطاع عن نضالات الشارع السوداني.

خطاب حميدتي لن يُقرأ فقط في الأبيض أو الخرطوم،أو بورتسودان. إنه خطاب موجه للداخل السوداني، وللإقليم، وللمجتمع الدولي.

 

* داخليًا، هو محاولة لكسر الطوق الجغرافي والطبقي الذي ظل محيطًا بالدعم السريع،من خلال محاولة النخب المركزية و سعيها لشيطنة الدعم السريع وعزله .

 

* إقليميًا، هو عرض للعب دور أكبر في مستقبل السودان ،ومن يعادي الدعم السريع هو الخاسر.

 

* أما سياسيًا، فهو تحوّل من حالة العسكرة إلى حالة المشروع.

فهل سيتلقف السودانيون هذا التحوّل؟ أم سيظل الخطاب الوحدوي أسير الصوت الجهوي المعادي له؟

 

ربما كانت الإجابة في الأبيض… وربما تتضح أكثر عندما يبسط الدعم السريع سيطرته الكامله على السودان.

ولنا عودة بإذن الله

الثلاثاء،٣يونيو/٢٠٢٥م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.