المجتمع الدولي … والرهان على العسكر!
المجتمع الدولي … والرهان على العسكر!
تقرير ـ أيمن المدو
يبدو أن المجتمع الدولي في سياق التعاطي مع الراهن السياسي على صعيد السودان قد مضى إلى اتخاذ سياسة الأمر الواقع، وسد أذنيه عن القوى السياسية المدنية “هذه بطينة والأخرى بعجينة”، والسعي والتسابق لكسب ود المكون العسكري وربما الخطوة مردها إلى تململ ونفاذ صبر المجتمع الدولي بقيادة دول الترويكا وتوصلهم إلى قناعة، بأن المدنيين لن ينزعوا عن أعينهم قناع الحزبية ومحاولات التشفي من النظام السابق، والمضي إلى تشكيل حكومة مدنية تؤول إليها مقاليد السلطة الانتقالية على الأقل في الوقت القريب.
ملء الفراغ السياسي
ونتيجة للتشاكس والتجاذبات التي تدور رحاها بين أقطاب قوى الحرية والتغيير وأصحاب المصلحة من بقية المكونات الثورية الأخرى، في مقابل التناغم التام والانسجام داخل منظومة المكون العسكري ينبيء المشهد السياسي، بأن العسكر يحاولون ملء الفراغ السياسي والتمدد عبره إلى أقصى الدرجات، بعد أن أضحت قوى الحرية والتغيير في دكة البدلاء. وعلى الرغم من التأكيدات التي رمى بسهامها رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان على نحو أشهر في كنانة قوى التغيير، بخروج المؤسسة العسكرية عن العمل السياسي، إلا أن الراهن السياسي بحسب نشطاء سياسيين مازال تحت سيطرة العسكر.
اللعب على الحبلين
وربما قد يتبادر إلى أذهان البعض استفسار حول ما المغزى من فتح المجتمع الدولي لذراعيه لاحتضان العسكر بقيادة البرهان والذي بحسب مجريات الأحداث، يجسد شخصية الرجل الدكتاتوري بعد إطاحته وانقلابه على الشرعية الثورية والتي كان يرمز إليها رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، والذي يعد هذا الأخير عراب سياسة الانفتاح نحو المجتمع الدولي ..وعطفاً على ما جرى ..هل يريد المجتمع الدولي اللعب على حبلي المدنيين والعسكر في ذات الأوان …أم أن سرج العسكر هو الذي سيوصل أصحاب المعاطف والقبعات السوداء إلى لجام الأوضاع في البلاد بعد أن فشلوا في تحقيق ذلك في ظل الحكومة المدنية …بجانب هل ستتحقق أمانيهم في ظل سيطرة أصحاب البذات والقبعات الخضراء على السلطة في الخرطوم ….
انفتاح أمام العسكر
وفي ذات السياق يرى مراقبون أن انفتاح الأبواب الدولية التي كانت موصدة في وجه العسكر تمت في فترات لاحقة، وأن مشاركة البرهان في تشييع جنازة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في العاصمة البريطانية لندن، بجانب حضوره ومشاركته في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن رفع هذه الأخيرة إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي لها في الخرطوم إلى درجة السفير والذي قدم أوراق اعتماده إلى البرهان قبيل أسابيع، فإن كل تلك كانت مؤشرات حول رضا المجتمع الدولي عن العسكر، بجانب أنه بمثابة إعطاء الضوء الأخضر للعسكر في أن يمضوا في مسلكهم السياسي إلى حين ميسرة.
سلطة الأمر الواقع
وفي ظل الانفتاح الدولي أمام تمدد وتحركات العسكر والمشاركات في الفعاليات الدولية الرسمية وشبه الرسمية، فهل يمكن الإشارة والقول بأن المجتمع الدولي قد “رمى طوبة المدنيين” بعد أن “راح ليهم الدرب ” والاستعاضة عنهم بـ”بوت العسكر”…؟
ومضى المتحدث باسم الحرية والتغيير شهاب إبراهيم إلى التقليل من خطوة الانفتاح الدولي على المكون العسكري بقوله: إن سياسة المجتمع الدولي اتجاه الانقلابيين ثابتة على الرغم من وجود مستوى تعامل محدد لهم مع العسكر في إطار سلطة الأمر الواقع، وبالتالي لا يمكن القول بأن هنالك اعترافاً بالانقلابيين من قبل المجتمع الدولي. وأضاف إذا كان الأمر متعلقاً بمشاركة البرهان في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن هنالك أنظمة كثيرة ينظر المجتمع الدولي إليها بأنها متطرفة ورغماً عن ذلك فهي مشاركة في الفعالية الأممية مثل كوبا وإيران.
التعامل مع الشيطان
ووفقاً لمجريات الأحداث المتسارعة على الأرض فهل يمكن الإشارة إلى أن تشاكس القوى المدنية حول من هو الأحق بكيكة السلطة من الآخر، هو الذي حفز العسكر إلى ارتداء المعاطف الجلدية الشتوية السميكة والتجوال في بلاد اليانكي دون قيود.
وفي السياق ذاته حيث يرى القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار بأن المجتمع الدولي أو كما يطلق عليه دول الإمبريالية العالمية، بأنها وفي إطار مصالحها تتعامل مع الشيطان ذاته ونفسه وليس البرهان فقط، لافتاً إلى أن المجتمع الدولي لأجل تحقيق مصالحه يمكنه بأن يضحي بالثورات التي تقوم ضد الشمولية، مشيراً إلى أنهم في سياق التعاطي مع السودان ماعندهم قشة مرة في أنهم يتعاملوا مع العسكر. وجزم كرار لـ(الحراك) بأن المجتمع الدولي هو الذي يسوق حالياً لقبول التسوية مع العسكر والدفع بهم إلى سدة الحكم كأمر واقع. وأضاف نحن لا نعول على المجتمع الدولي في حل مشاكلنا وتقاطعاتنا السياسية الداخلية. وأردف منذ أن قامت أمريكا بتعيين سفيرها في الخرطوم توصلنا إلى قناعة بأن المجتمع الدولي قد قبل واعترف بوجود العسكر ضمن المعادلة السياسية في البلاد، مشيراً إلى العسكر بذلك أصبحوا أدوات ينفذون في أجندة خارجية .
الحبل على القارب
وبحسب محللين فإن المسلك الذي ولجه العسكر في اعتزامه وتأكيداته بخروجه من العملية السياسية وترك الحبل على القارب للمدنيين ليمضوا في تشكيل حكومتهم، هو الذي جعل المجتمع الدولي أن ينظر بعين الرضا إلى المكون العسكري. وهنا يكمن السؤال حول، هل تحركات البرهان الخارجية تأتي في سياق استكمال الحلقة المفقودة بين العسكر والخارج.
رسائل العسكر
وفي ذات المنحى يمضي المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية د. راشد التجاني إلى القول، بأن التحركات الدولية التي قام بها البرهان مؤخراً تأتي في إطار دعم خطوة انسحاب العسكر من المشهد السياسي في البلاد، بجانب إرسال رسائل بأنهم مستعدون لتسليم السلطة للمدنيين متى ما توصلوا إلى اتفاق بشأن تشكيل الحكومة. ولفت التجاني بأن المجتمع الدولي يبدو بأنه قد لمس جدية العسكر في الخروج من السياسة عى خلاف القوى المدنية بالداخل والتي ترى عكس ذلك، مبيناً بأن المشكلة الآن ليست تكمن في خروج العسكر من السياسة، وإنما تكمن في القوى المدنية المناط بها تشكيل الحكومة .