استراتيجية البرهان في حرب السودان: تضليل إعلامي واستدراج تدخلات خارجية لإطالة أمد الصراع
تستند سياسة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في إدارة الحرب، التي بلغ عامها الثاني، على استراتيجية مزدوجة تتمثل في التضليل الإعلامي أولا، والسعي إلى إطالة أمد الحرب عبر استدرار التدخلات الخارجية، ثانيا.
ووفقا لوثائق وشهادات خبراء، فإن الجيش السوداني يسعى إلى استغلال المنابر الدولية لتسويق قضايا لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض، وتقديم روايات مزيفة في محاولة لتخفيف الضغوط الدولية.
ورغم توثيق تقارير أممية لارتكاب الجيش السوداني انتهاكات بحق المدنيين واستخدام أسلحة محرمة دوليا في معاركه ضد قوات الدعم السريع، ما يرقى لتصنيفه “جرائم حرب”، غير أن الجيش السوداني يصر على الإنكار.
وكانت تقارير أممية أفادت أن الجيش السوداني استخدم “أسلحة كيميائية” في هجمات على مناطق مدنية نائية، فضلا عن “تدمير متعمد” لمستشفيات ومدارس.
وبالتزامن مع ذلك وثقت مقاطع فيديو وشهادات ميدانية استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في المعارك، التي دارت رحاها في مناطق سكانية مكتظة.
وأفادت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور (هيئة مدنية) في بيان أصدرته في نهاية مارس الماضي، بأنها تشتبه بشكل كبير في استخدام الطيران الحربي للجيش السوداني أسلحة كيميائية في الغارات التي شنّها على مناطق عدة في إقليم دارفور.
وفي يناير الماضي، نقلت صحيفة (نيويوك تايمز) عن مسؤولين أمريكيين دون الكشف عن هوياتهم، أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية في مناسبتين على الأقل ضد “قوات الدعم السريع” في مناطق عدة في البلاد.
وأعرب المسؤولون الأمريكون، بحسب تقرير الصحيفة، عن “قلق شديد” من إمكانية استخدام الجيش السوداني مرة أخرى تلك الأسلحة في مناطق مكتظة بالسكان في عاصمة البلاد الخرطوم.
من جانبه دعا الاتحاد الأوروبي إلى توسيع حظر الأسلحة ليشمل كل السودان بدلًا من دارفور فقط، لكن هذه الدعوات لم تُترجم إلى إجراءات فعلية.
ولعل ما يثبت مثل هذه الانتهاكات والخروقات الفظيعة هو ما قام به الجيش بعد استعادته السيطرة على مناطق في العاصمة الخرطوم، حيث ارتكب الجيش إعدامات وانتهاكات بحق المدنيين بزعم دعمهم لـ “قوات الدعم السريع”.
وفي هذا السياق عبر فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان، عن فزع بالغ إزاء تقارير موثوقة تفيد بوقوع إعدامات خارج نطاق القانون لمدنيين في عدة مناطق من الخرطوم بعد سيطرة الجيش عليها في مارس الفائت.
“التجويع” كسلاح حرب
وإلى جانب الانتهاكات والفظائع، فإن الجيش يستغل ملف “التجويع” كسلاح حرب إذ أفادت تقارير أممية أن أكثر من 30 مليون سوداني يواجهون خطر المجاعة، ويعتمدون على المساعدات التي يحظر الجيش وصولها اليهم.
وفي مطلع السنة الجارية أعلنت واشنطن فرض عقوبات على قائد الجيش السوداني متهمةً إياه بلعب دور في زعزعة استقرار السودان وعرقلة الانتقال الديمقراطي للسلطة.
وجاء في بيان وزارة الخزانة الأمريكية أن القوات المسلحة السودانية تحت قيادة البرهان قامت “بشنّ هجمات قاتلة ضد المدنيين، بما في ذلك غارات جوية استهدفت البنى التحتية المحمية مثل المدارس والأسواق والمستشفيات”.
وأضاف البيان أن الجيش السوداني مسؤول أيضًا عن “الحرمان المتعمد والممنهج للمساعدات الإنسانية، واستخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب”.
وفي ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة، قدمت دولة الإمارات، كأكبر داعم خليجي للسودان، حزمًا إغاثية ضخمة شملت دعم المشافي والمشاريع الزراعية، لكن التقارير تؤكد أن الجيش “عرقل توزيعها” في مناطق معارضة.
ووصلت قيمة ما قدمته الإمارات من مساعدات إنسانية للسودان إلى أكثر من 3.5 مليار دولار ، منها 600 مليون دولار منذ بدء الصراع الحالي.
التضليل الإعلامي
ودأب الجيش السوداني، الطرف الرئيس في النزاع، على الترويج لرواية مفادها أن الأزمة نتاج “مؤامرات خارجية”، في محاولة للتشويش وتحويل الأنظار عن التقارير الأممية الموثقة التي تدين سلوكه.
ومن المعروف أن الجيش السوداني نفسه هو الذي يحيك المؤامرات الخارجية، وهو ما تؤكده وثائق عن “صفقات سرية” مع أطراف إقليمية أبرزها إيران وروسيا والصين، لتأمين أسلحة عبر وعود بمنح قواعد عسكرية وموانئ لها في السودان بعد الحرب.
وكان آخر تلك الصفقات، هو ما كشفه موقع “إيران إنترناشيونال” عن معلومات استخباراتية تفيد بأن الحرس الثوري الإيراني أرسل، في 17 مارس الماضي، شحنة أسلحة إلى السودان عبر طائرة شحن تابعة لشركة “فارس إير قشم”، الخاضعة لعقوبات دولية.
ويُعتقد أن الشحنة شملت طائرات مسيّرة من طراز “مهاجر 6” و”أبابيل 3″، بالإضافة إلى صواريخ مضادة للدروع.
ورغم المبادرات الإقليمية والدولية الفاعلة لوقف إطلاق النار، مثل مؤتمر جدة 2024، إلا أن الجيش السوداني “قاطع معظمها”، وواصل تصعيده العسكري، لتدخل الحرب عامها الثالث، فيما تتفاقم معاناة السودانيين يوما بعد يوم.