منعم سليمان يكتب: كرتي يعلن الجهاد… فأبشري يا إسرائيل!

كرتي يعلن الجهاد… فأبشري يا إسرائيل!

 

منعم سليمان

 

 

في بيانٍ صاخب، مترَعٍ بالخطابة الجوفاء، منتفخٍ بالعبارات الدينية المعاد تدويرها، ومزدحمٍ بالتكبيرات والآيات القرآنية المعلَّبة إياها، أعلنت الحركة الإسلامية السودانية، أمس، الجهاد ضد دولة إسرائيل، نصرةً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، داعيةً “شباب الأمة” إلى النفير، نافخةً في رماد خيبر واليهود، وكأننا في مطلع فجر بدر، لا على مشارف غروبٍ طويل لكذبة جماعات الإسلام السياسي التي استُنزفت ذخائرها، وافتُضحت دعواها في بلادنا، تجربةً وممارسةً؛ فما عادت تُقنع وجدانًا، ولا تُثير إيمانًا، بل تُثير السأم والضجر في النفوس من مسرحيةٍ عاشها وخَبِرها السودانيون من قبل، وبانت عورتها، وعُوارها، وفسادها.

 

تحدّث بيان الحركة المسيلمية السودانية عن المقاومة، والعدوان، وواجب النصرة، وحرمة الحياد، والصهيونية. لكنه، ككل بيانات الكذب والطغيان المغسولة بآيات الجهاد، أغفل شيئًا واحدًا مهمًّا، هو: الصدق… الصدق في الاعتراف بأن هذه الحركة، التي تصرخ اليوم باسم الله والدين والمقدسات، لم تمارس جهادها هذا، في أيّ يومٍ من الأيام، من أجل الله والدين والمقدسات، بل من أجل السلطة، والسرقة، والجاه. فكلُّ سيفٍ أشهرته، طعنت به ظهر مواطن، وكلُّ جهادٍ رفعته، كان بوّابةً لمذبحةٍ ارتُكبت بحق مواطنين سودانيين.

 

لم تُطلق، في كل تاريخها، طلقةً واحدةً على عدوٍّ خارجي، لكنها أفرغت رصاصها – ولا تزال- في صدور السودانيين، من جنوب السودان، ودارفور، وجبال النوبة، حتى الخرطوم.

 

إن بيان هذه الحركة الفاسدة لا يُثير الحماسة بقدر ما يُوقظ الشفقة، ولا يجد له صدى في الداخل، كما لا يعيره العالم سوى السخرية. فهذه الحركة، التي ترفع صوتها وتضخّمه انتفاخًا كاذبًا بنداء طهران، وغزّة، والقبلة الأولى، هي نفسها التي يراها العالم أمامه الآن وهي تُولي الأدبار أمام صبيةٍ لا يحملون سوى البنادق البدائية في “الدبيبات” وتخوم كردفان.

 

وهذه الحركة، التي تُعلن الجهاد ضد إسرائيل اليوم، هي ذاتها التي أخرست ألسنتها عندما زارتها إسرائيل في الخرطوم، في أكتوبر 2012، وقصفت مصانع أسلحة اليرموك، ثم حلّقت طائراتها فوق سماء السودان على مرأى ومسمع من الجميع، كما لو كانت في تدريبٍ مفتوح!

فأين كان الجهاد؟ وأين كانت المقاومة؟ لم تُطلق رصاصة، ولم تُرمَ صوبها طوبة، ولم نرَ سوى بيانات النواح والبكاء، بينما كانت الأجواء السودانية مفتوحة… كقلبٍ خائن!

 

إن الحركات الإسلامية في العالم عامة، وفي السودان خاصة، فاسدة، وحنجورية، وجبانة؛ لا تملك سوى الصراخ، والوعيد، والعويل. فإذا ما حمي الوطيس، واقتربت الساعة، وجاءت الراجفة التي تتبعها الرادفة، فرَّ “مجاهدهم” إلى الدوحة، وهرب “شيخهم” إلى إسطنبول، وبقيت الشعوب وحدها تواجه الموت والمجازر. ومن لم يرَ ذلك في السودان، فقد رآه في غزّة!

 

أما علي كرتي، أمين عام هذه الحركة، فهو أجبن من أن يخوض حربًا، أو يموت مجاهدًا.

إنه ظلُّ رجلٍ فاسد، كان ظلَّ دولةٍ فاسدة، كانت ظلَّ فكرةٍ فاسدة؛ تهاوت جميعها، ولم يبقَ منها سوى الرماد.

وحَسْبُه من الجهاد أنه امتلك، من شعاراته، أراضٍ في الخرطوم توازي مساحة غزّة التي يتباكى عليها اليوم!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.