الفاضل فضيل يكتب : اختلاق الجنائز .. تشييع المصداقية؟
اختلاق الجنائز .. تشييع المصداقية؟
أشرفت الحرب على بلوغ عامها الثاني بينما أخبارها تُعشِشْ و تُفرخ و تبيض لحظياً و من فرط هذا التكاثر أصبح الشغل الشاغل البحث عن معاناة للتربح منها و الإستثمار فيها بلا وازع من خلق أو ضمير (شوية مع دول و شوية مع دول )، بالمقابل هناك جيوش غفيرة من الهواة و المحترفين يتعهدون رعاية منتجات الحرب الأساسية و الثانوية و لو على طريقة شعر الجن الذي اقتص لجنيته فقتل أمية (و قبر حربٍ في مكانٍ قفر وليس قرب قبر حرب قبر ) !!
إن التضليل و اختلاق الروايات و الإستشهاد بمصادر لإضفاء صدقية على الأخبار الزائفة فعل مفهوم و شائع منذ فجر التاريخ و على الأرجح يتحمل المتلقي مسؤولية تحصين عقله من هكذا أخبار و فخاخ ،عادة الرجوع للمصدر أيسر السبل وانجعها.
فجر اليوم نُشرت قصة مشفوعة بمقطع فيديو مثلت سقطة كبيرة، أبطال هذه السقطة أخرجوها للعلن بإحتفاء طفولي و فرح عارم يضج ثقة بأنهم وصلوا القلوب و إستمالوا عاطفة المتلقي و سيطروا عليه ، لكن خاب الفأل و الظن فمخادعة الرأي العام تنجح بحراسة الرقيب و تكميم الأفواه و إرهاب المصادر .
ما لا يمكن السكوت عليه في هذا الفعل تجليات استرخاص دماء و أرواح الناس و التشكيك في أي ضحايا بل و تحميلهم مسؤولية إثبات موتهم لأن الموت (إختلف)، إن غاية هذه المهزلة تسجيل نقاط و كسب زخم في بؤس بائن لا تخطئه عين و سقوط مدوي أقرب للإنتحار منه للمغامرة .
عبر عمر الحرب الطويل شاهدنا محتوى فقير ،بائس توضع عليه ملصقات (البطل ، الضحية، ال…..) و نجاح المحتوى يقاس بالرواج كما جهر بذلك الأعيسر ترند ترند …
لقد أصبحت الأنباء و الأخبار مُشاعة و مبذولة للجميع على طريقة البوفيه المفتوح بأصنافه المتعددة من أطايب الطعام ، صفوف طويلة و فوضى شحن الأطباق و هدر الطعام بالذات عند إنتفاء الأخلاق و المعايير فيذهد فيه أُولي الخلق و المقدار، ما نعيشه في أهوال الحرب الدائرة تعدد الرايات و الشعارات و الحلاقيم ، مع سقف خفيض للقيم و الموهبة حتى في إخراج و إختلاق التفاهات.
مقطع فيديو متداول لجثامين شهداء بينهم فرق بلباس موحد أبيض و آخرين بسترات صفراء ،يحملون مصابين، و في الخلفية مصورين محترفين و أصوات تتعالى على غِرار مفردة (Action) في عوالم الإنتاج السينمائي ” أطلعوا برة يا هيي ، ما سامع يا سارة ” فتبدأ صولات النحيب و الضحكات و التمرغ في التراب و يظهر البعض بلا مبالاة واضحة !!
للوهلة الأولى يبدو الأمر غير منطقي لطابور الجثامين و ما الغاية لأصحاب اللباس الأبيض لأجساد غادرتها الأرواح ؟ لكنها تتحرك، هجم النمر هجم النمر تصلح للإلهاء مرة و للتكسب الرخيص مرة لكن عند الهجمة الحقيقية لن يصدقك أحد بل ستخضع كل منتجاتك السابقة و التالية للإستفهام و اللوم على من يصدقك مستقبلاً، لم يتبقى للموت هيبة مع الإسترخاص و النيات المُبيتة للاستثمار فيه، فحاكم الإقليم الفل مارشال يتلاعب بأرواح المدنيين و يتخذهم دروع و يحول بين خروجهم بحيل عرجاء و شبح الموت يخيم في الأرجاء ،بانت سوءاتك .
الفاضل فضيل [email protected]