البرهان .. ماذا تبقى من البشير سوى المؤخرة؟!

Sudan's army chief Abdel Fattah al-Burhan (C) waves during a graduation ceremony in Gibet near Port Sudan on July 31, 2024. Burhan, whose forces are battling paramilitaries, was evacuated after a drone attacked a military base he was visiting in the country's east on July 31, witnesses told AFP. The army said five people were killed in a drone attack on a ceremony at the Gibet base, about 100 kilometres (62 miles) from Port Sudan, where the army-aligned government has fled since fighting gripped the capital Khartoum. (Photo by AFP)

عبد الرحمن الكلس

أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، أمس الخميس، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، على خلفية جرائم حرب، واتهامات بزعزعة الاستقرار وتقويض الانتقال الديمقراطي.

وقالت الوزارة إن الجيش السوداني بقيادة البرهان ارتكب هجمات مميتة بحق المدنيين وشن غارات جوية على المدارس والأسواق والمستشفيات، كما أنه يتحمل المسؤولية عن المنع المتعمد لوصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين واستخدام الغذاء بوصفه سلاحاً في الحرب.

حسناً فعلت (الخزانة) أيضاً عندما وصفت البرهان في قرارها بقائد الجيش فقط، ولم تمنحه صفة سياسية شرعية، واتهمته بتقويض الانتقال الديمقراطي، ما يعني أنها مهتمة وداعمة للأحزاب السياسية المدنية ومهتمة بقضية التحول الديمقراطي، وأنها لا تعترف بحكومة الانقلاب في مهربها ببورتكيزان.

هذا جانب، أما الجانب الآخر، فيتعلق برد فعل البرهان نفسه تجاه العقوبات، والتي سينال منها المزيد كلما استمر في الحرب، وكذلك تعقيب وزارة خارجيته التي تسيطر عليها الحركة الإسلامية الارهابية، حيث سنرى العجب العجاب.

بينما بدا البرهان مرتجفاً ومذعوراً وخائفاً ومرعوباً وهو يتحدث في مدينة ود مدني بعد انسحاب قوات الدعم السريع منها، وحينها لم تكن الخزانة الأمريكية قد أعلنت رسمياً عن العقوبات، وإنما تم تسريب ناقص ومقصود لتهيئة الرجل والرأي العام، لكنه كان يرتجف ويتعلثم حين قال على نسق سلفه المجرم البشير: “سامع أن هناك عقوبات ستفرض على قيادة الجيش، نحن نرحب بأي عقوبات من أجل خدمة البلد”.

كلاهما قتل من أجل خدمة البلد!

كان الرجل محطماً نفسياً، وقفزت بذهني الحالة الجنونية التي انتابت قائده المخلوع عندما فُرضت عليه عقوبات مماثلة. فقد كان يدخل في نوبة من العته والجنون وفقدان الرشد السياسي واللياقة الذهنية، ويبدأ في فواصل من الشتائم مثل: “أمريكا تحت جزمتي” وغيرها، قبل أن تضرب له الدفوف فيقفز ليهز أعلاه ومؤخرته كمن يتخبطه الشيطان من المس، وهذه مرحلة هيستيرية سيصل إليها البرهان، هذا في حال قدر له العيش بيننا، فإخوته لن يتحملوا تكرار مشهد الحصار مرة أخرى!

هذه ردة فعل متوقعة من قائد جبان ساق البلد والشعب إلى مذبحة لا نظير لها في هذا القرن، فقط من أجل الحيازة على السلطة والانفراد بحكم البلاد. لكن ما أضحكني حتى اهتزت فرائضي هو بيان وزارة الخارجية الكيزانية في بورتسودان التابعة للبرهان شخصياً، حيث وصفت العقوبات بـ(غير الأخلاقية – وأنها تفتقر لأبسط أُسس العدالة والموضوعية). وكأن من وقعت عليه يتمتع بأخلاق عالية ويتصف بالعدالة والموضوعية، وكأنهم بشر أسوياء لا كيزان حقراء!

على كلٍ، فإن العدالة والموضوعية يا خارجية بورتكيزان، لا تقتضي فرض عقوبات على الرجل فحسب، بل وضع عنقه داخل إنشوطة المشنقة ثم شدّها بقوة.

إن ما سربته صحيفة “نيويورك تايمز” أمس عن استخدام (البرهان) الأسلحة الكيميائية عدة مرات في حربه للاستيلاء والانفراد بالسلطة، سيمثل الأساس لفاصل العقوبات القادمة التي ستفرض على الرجل وتجعله منبوذاً مطارداً ومجرماً دولياً هارباً، تماماً مثل سلفه البشير وحليفه هارون.

كان البرهان في مدينة ود مدني عندما وقعت عليه العقوبات يرافقه نديمه اللص ميرغني إدريس، مدير منظومة الصناعات الدفاعية، والذي فرضت عليه الخزانة الأمريكية نفسها في أكتوبر من العام الماضي عقوبات مماثلة. وبينما كانا يتبختران في (ود مدني)، وقعت العقوبات على البرهان وعلى رجل آخر ذي صلة بميرغني إدريس، وهو الكوز مزدوج الجنسية والعمالة “أحمد عبد الله خلف الله”، الذي يعتبر الذراع الأيمن للمجرم ميرغني إدريس، والذي هو أيضاً الذراع اليمنى للبرهان، بما يعني أن العقوبات تستهدف البرهان والحلقة الضيقة المحيطة به بطريقة (قص الأجنحة).

والسوداني/الأوكراني خلف الله هذا هو من قام بصفقة شراء الأسلحة الكيميائية التي أُستخدمت ضد قوات الدعم السريع وضُرب بها المواطنون العُزّل في الكومة والضعين – ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهذا مآل آخر لم يصل إليه سلفهم البشير، سيصله برهان وحده، وبيته أوهن من بيت صدام حسين!

إن هذه الحلقة الأخيرة من مسلسل الإجرام الذي يقوده البرهان ومن معه ليست سوى دليل آخر على إفلاس هذه الطغمة الانقلابية سياسيًا وأخلاقيًا. لقد أصبح واضحًا للعالم أجمع أن السودان بات رهينة بين أيدي مغتصبي السلطة، الذين لا يتورعون عن استخدام أكثر الأساليب دموية لتحقيق غاياتهم.

ومع استمرار الضغط الدولي وفرض العقوبات المتتالية على البرهان وحلفائه، فإن الدائرة تضيق حولهم يومًا بعد يوم. وما نشهده من تصريحات وبيانات مرتجفة، سواء من البرهان نفسه أو من أذرعه الإعلامية والسياسية، ليس إلا انعكاسًا لحالة الذعر والضعف التي أصابتهم.

في النهاية، سيظل التاريخ شاهداً على كل من سفك دمًا أو خان أمانة. أما البرهان، فمصيره سيكون كما كان مصير البشير: السقوط المذل، مهما طال الزمن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.