الشعب يريد إبعاد مني “تاركو” مناوي!

علي أحمد

ليس لدي هواية في أوقات فراغي سوى مشاهدة البرامج الكوميدية الغربية تحديداً، وخصوصاً الـ(استاند أب كوميدي). وأبطالي المفضلون في هذا المجال كثر، على رأسهم دائمًا ديفيد شابيل، تريفور نواه، وكريس روك. ولا تقتصر متابعتي على الشخصيات الحقيقية، بل تمتد إلى عالم الرسوم، وخاصة العرض الأشهر (عرض الدمى)، حيث يبرز “الضفدع كريميت”، وهو شخصية كرتونية تجسد ضفدعًا أخضر فاقع اللون، قبيح الهيئة، لكنه في غاية الذكاء ويتمتع بشخصية قيادية مُلهِمة، ويملك طموحًا شاهقًا وقدرة استثنائية على التحدي واتخاذ القرارات بروح لينة وحازمة وشديدة المرح.

ولا أُخفيكم سرًا: كلما رأيت صورة “مني أركو مناوي”، يتبادر إلى ذهني الضفدع كريميت على الفور؛ فكلاهما يتشابهان شكلاً، لكنهما يختلفان اختلافًا جذريًا وصفًا، فمناوي هو النقيض التام من الضفدع كريميت في الصفات القيادية والعمق والحكمة وروح الدعابة، والذكاء، طبعًا.

ومناوي هذا شخصية مهشمة الدواخل، يعاني من احتقار ذاتي واضطهاد بالغ لنفسه، لذلك لا يجد وسيلة للتعبير عن نفسه المحطمة سوى ممارسة التهريج الرخيص، وتكسير كل ما هو مرتفع وثمين وغالٍ في أعين الآخرين. ولأجل ذلك أيضًا، لا يتوانى عن انتحال شخصيات عديدة، ليملأ بها فراغ ذاته التي يحتقرها، ويسد بها نقصه الذي لا يمتلئ. تارةً، ينتهز فرصة زيارة إلى لندن، فيتصور أمام لافتة خارجية لجامعة في يوم عطلتها وهو يرتدي ملابس التخرج، في مشهد أرجوزي مرضي ساخر، معلناً في اليوم التالي عن “تخرجه”. لكن لم تمضِ ساعات حتى أكدت الجامعة لمن ذهب متحريًا أن اسمه ليس في قائمة المتخرجين، لا في ذلك العام ولا في أي عام آخر، وأنها ليست لديها أي برامج للدراسة عن بُعد، لتتحول الحكاية إلى فضيحة مجلجلة.

وتارةً أخرى، يناديه أنصاره بلقب “فيد مارشال”، فيرد بالإيجاب، ويزداد تضخمًا مرضيًا، وهو اللقب الذي يُعد أعلى رتبة عسكرية في جيوش العالم. وكان حريًا به أن يزجر أنصاره، الذين لا يتجاوزون أن يكونوا أميين، سوقةً، وعوامًا، يعيشون في عالمهم الخاص راضين بجهلهم، وجهلهم راضٍ بهم. حالهم كـ”بدو” التاريخ قديمًا، الذين كانوا يطلقون على كل من استطاع السفر منهم من الحجاز إلى الهند لقب “رحَّالة”!

آخر ما تفتقت له عبقرية الرجل هو تحوله من حاكم بلا حكم، وقائد عسكري برتبة “فيلد مارشال” بلا جيش، إلى (فتى غلاف). أي والله، ومن يتحمل بشاعة المنظر وسوء المنقلب، فليكتب على محرك البحث (مناوي إعلان تاركو للطيران). فقد اختارته هذه الشركة كـ”موديل” إعلاني لها، ولا شك أن اختيار الشركة له للإعلان عن خدماتها يعكس بوضوح مستوى الخدمة التي تقدمها، كما يمنحنا تصورًا عامًا عن طبيعة حكومة الأمر الواقع في بورتسودان وأحوالها!

الحاكم الافتراضي لإقليم دارفور ظهر كأنه (عارضة أزياء) إفريقية ناشئة و(ناهدة)، تتهادى بخطى واثقة على البساط الأحمر، مرتديًا بدلة رمادية وقميصًا بمبيًا، وربطة عنق سوداء بخطوط بيضاء مائلة، ونظارة سوداء سميكة. كان في أبهى صور النشاز وأسطع مظاهر القبح وتدني الذوق.

هذا “الموديل”، الذي هبط بسرعة قياسية في سوق الإعلان، ارتكب في تجربته الأولى أخطاءً فادحة، بدءًا من طريقته في المشي؛ إذ كانت مشيته تحمل الكثير من العِوج، والتمايل، والانثناءات المصطنعة، ما جعله يبدو كرجل يخطو خطواته الأولى لإعلان (مثليته). كانت مشية غير محتشمة لا تليق برجل يزعم أنه قضى (21) عامًا من عمره وسط دوي المدافع ورشقات الرصاص، في معارك “دونكيشوتية” لم نسمع عنها، ولم نسمع بانتصار واحد حققه فيها!

الخطأ الشنيع الثاني الذي ارتكبه هو أنه كان يتحدث في الإعلان عن خدمات شركة الطيران، لكنه جعلها شركة (شاحنات) و(بواخر) وليس طائرات، حيث أشاد في كلمته المرافقة للإعلان بما تقدمه الشركة للمواطنين (برًا وبحرًا)، مما جعلها أول شركة طيران برمائية، فأضحك الثكالى!

إن ظهور (مني تاركو مناوي) في هذا الإعلان الرخيص، بجانب كل ما أشرنا إليه سلفًا، يحمل علامات ومؤشرات تُنبئ عن سوء خاتمته. فإن يموت الرجل وهو منخرط في منافسة غير متكافئة مع فتيات الإعلانات، عوضًا عن أن يُستشهد في معركة الفاشر، فليس من خاتمة أسوأ من هذه الخاتمة، ولكنها خاتمة تليق به.

هل وصلت الأمور إلى هذا الدرك السحيق؟ وهل نضب المعين إلى هذه الدرجة؟ وهل خلت بورتسودان من فتيان الإعلان وصبايا الإعلانات؟

أعيدوا لنا “آية آفرو” من مهجرها، حفاظًا على كرامة المقاتلين في حرب (الكرامة).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.