يتجاهل “فقه السلطان” ، تجاهلاً ماكراً و متعمداً ، أخطر و أهم أركان الإسلام على الإطلاق : العدل ..
إذ لا إسلام و لا دين في غياب العدل ، و ما بعث الله بالإسلام رسولاً – منذ آدم عليه السلام و حتى خاتمة الرسالات – إلا لمجاهدة الظلم و بسط العدل بين الناس .. و لكن أدعياء الإسلام ظلوا – منذ القدم – يتجاهلون تماماً مسألة العدل هذه و يعتبرونها مسألة “قدرية” لا شأن لهم بها ، و يجعلون همهم الأكبر متعلقاً بشكليات التدين و رسومه ، ثم يفرضون أنفسهم وسطاء بين الله و بين خلقه كأدلاء لطريق الجنة ، ثم تعاظم طموحهم في عرض الدنيا ففرضوا أنفسهم (دولة) تأخذ الناس برغم أنوفهم إلى طريق الجنّة .. عليك أن تفعل (كذا و كذا) لتدخل الجنة ، فإن لم تفعل أكرهناك على أن تفعل ، لأننا نريد أن ندخلك الجنة و لو برغم أنفك!!..
هذا ما ظلت دولة الكيزان تفعله طوال ثلاثين سنة ، و ظل كثير من السذج يحسبون أن ما تفعله دولة الكيزان هو عين الإسلام، و أن وظيفة الدولة في الإسلام هي بالأساس سوق الناس إلى الجنة بالعصا ، كما تساق قطعان الماشية إلى المرعى!!!.. و لو فقه الناس ، لو تأملوا قليلاً الصورة الكلية للمشهد ، لأدركوا أن ساستهم المتأسلمون هم في الحقيقة يبنون قواعد (جنَّتهم) الدنيوية ، لأن في صدورهم شكاً عظيماً في حقيقة جنّة الآخرة ، هم يمارسون جميع أنواع الظلم للاستئثار بجنة الدنيا ، لأن فقهاءهم لم يذكروا العدل كركن ركين للإسلام ، و لم يذكروا الظلم – في كتبهم – كنقيض وجودي للإسلام..
ستعجب كثيراً لو تأملت الفرق الجوهري بين قائد الطواغيت – إبليس – و بين أجناده من الطواغيت أمثال النمرود و فرعون و الكيزان.. ستجد أنّ إبليس الذي يقول بلسان حاله للناس : (خالفوني لتدخلوا الجنة) هو كائن يؤمن في الحقيقة بأن هنالك جنة بالفعل ، بينما يتلخص إيمان أجناده المذكورين أعلاه في أنه لا جنة و لا نار ، و أن من أراد الجنة فليلتمسها هنا في الدنيا ، و لكن للفوز بجنة الدنيا لا بد من استثمار إيمان المؤمنين بالله و بجنته و ناره .. لا بد من تشييد جنة الدنيا للكيزان بأيدي المؤمنين بجنة الآخرة.. فإن أبيت أن تبني للكيزان جنتهم الدنيوية فأنت كافرٌ تستحق الموت.
الكيزان اليوم يستبسلون في استنفار المؤمنين ليستعيدوا لهم جنة دنياهم المسلوبة ، و في المقابل يعدونهم بجنة الآخرة التي يحسبها الكيزان ضرباً من الأساطير التي لا تصلح إلا لخداع الحمقى ..
لقد شرع الله الجهاد في دينه بالأساس لمواجهة الظلم و بسط العدل ، و لو عرف من يظنون أنفسهم مجاهدين الحقيقة لجاهدوا الظالمين الحقيقيين ، و ما عرف السودان، طوال تاريخه ، ظلمة و طواغيت مثل الكيزان.
لن يكتب الله جنته أبداً إلا لمن يجاهد الظالمين ، و يستهدف العدل للمظلومين، و ما كانت “بدر الكبرى” في السابع عشر من رمضان إلا لمواجهة الظلمة من مشركي قريش، و إحقاق العدل بين الناس.