الطاهر أبو جوهرة يكتب .. بين يدي المؤتمر الخامس هناك مكتول هواك ياكردفان
ربي .. اللهم أنت الصاحب في السفر .. فنعوذ بك من وعثائه .. في معية حفظ الله ، نحن الان عل متن العربة تطوي الفلا طيا ..
يمر الزمن وتتهادى المفردات والطريق مفعم بما لايجعل عيناك يغشاها النعاس .. هنا كردفان .. فالمشاهد على ضفاف الطريق تشدك ، تبعدك بعيدا عن رغبات غفوات السفر .. مضت مئات الكيلومترات سريعا ملخصها يحكي عن بلد يبحث عن ملهم ليثبت للناس هنا سلة غذاء العالم .. على بعد عشرة كيلومترات تقريبا من مدينة بارا .. والمناسبة .. في معية نفر كريم من قيادات المؤتمر الشعبي في رحلة من أمدرمان الي الابيض ، عبر طريق الصادرات أمدرمان بارا .. لحضور فعاليات المؤتمر الخامس للشعبي لولاية شمال كردفان .. الشيخ الصافي نورالدين .. عمنا دهب محمد صالح .. الباشمهندس شمار .. الدكتور كمال عمر .. الاخ الاستاذ خالد إبراهيم وآخرين .. لاول مرة أعبر بهذا الطريق الذي يعتبر إنجازا يضاف لخارطة الوطن .. ما إن خرجنا من أم درمان بدأت المناظر التي بقوتها سحبتنا بعيدا الي تلك الايام الخوالد عبر حبال الذاكرة في مرحلة الابتدائية ونحن ننشد قصيدة القطار :
هيهات هيات لاجن ولاسحرة
بقادرين على أن يلحقوا أثرة
هذي المناظر قد مرت على عجل
كأنها ومضة للبرق مختصرة
وهذه مركبات حاملات نفر
وفوق أخرى شعير يابس وذرة
… تذكرنا كل ذلك واخونا عماد بشري على مجلس القيادة يجري بنا بسرعة 100 كلم في الساعة إنها سرعة معقولة .. لا أدري ماذا سيكتب معروف الرصافي في حضرة هذا النوع من عربات الراهن إذا كان قطار السبعينيات بسلحفائيته المشهوده وقتها لايستطيع الجن والسحرة من اللحاق به .. على جانبي الطريق شجر ، وثروة حيوانية ونقاط ، وصبية يعرضون بضائعهم من المنتوجات المحلية الدوم والقنقليس والمسليات من الفول والتسالي ، وحتى لبن الابل كان حاضرا في قائمة لوحة العرض معبأ على قارورات الحجم العالي من فارغ المشروبات الغازية ، أو مايسميها أصحاب الجلسات الساخنة ( بالبطل ) .. هذا اللفظ ( بطل ) لايطلق إلا على الكريستال من نوع الحجم العائلي بشرط بان يكون معبأََ بالخمر المحلي ففي هذه الحالة تسمى( بطل ) عند أهلها .. ويستمر المشهد وتمر مقاطع العرض .. ثمة منظر لنساء وفتيات يقفن في إنتظار مرور عربتنا ليعبرن الي الجانب الاخر يحملن على رؤسهن ( شوالات ) ممتلئة بالدقيق في رحلة العودة من الطاحونة ، لا أدري لماذا رجّعني منظرهن الي جدلية الصراع بين الهامش والمركز .. آه ؟! على كل حال ثمة رابط موجود .. دخلنا مدينة بارا التي نشاهدها لاول مرة في حياتنا وأن كنا شاهدناها خيالا من قبل في سيمفونية الاستاذ الرائع عبدالقادر سالم ( ليمون بارا ) ولكن يبدو لان الوقت قيلولة لم نشاهد الليمون بل شاهدنا ثمة أشياء غير مريحة على أسارير ماشاهدناه من إنسان هنا ، حالة بين الحزن والبشاشة والرتابة تؤكد إن ثمة شئ أو أشياء ناقصة وراء بلورة الصورة .. بارا ضاحكة .. بارا تتمايس ولكن الصورة تنقصها الاشياء من يُخبِّر المسرولين .. قف .. للمشهد حكاية .. بارا جميلة .. بالتاكيد .. الصحفي الساخر المجري جورج بكش يصل الي مطار طوكيو وهناك يقابله صحفي ويسأله عن رأيه في اليابان ، يقول بكش أتعجب من زميل يريدني أن أحكم على بلد لم أشاهد منه إلا مطاره لكن رغم ذلك قلت له مجاملا اليابان جميلة .. عذرا بارا مقدمات الاشياء مراءة عاكسة لمكنون القادم فانتي جميلة على طريقة بكش .. لا أريد أن أحكم على بلد لم أشاهد منها إلا رجال المرور والايصالات .. عند خروجنا من بارا إستوقفنا شرطي نزل الاستاذ عماد بشري وعاد يحمل إيصالا بقيمة سبعة ألف جنيهه كمخالفة .. إستأنفنا طريقنا نحو عاصمة الرمال الابيض ، الطريق لم تتغير ملامحه كثيرا ، أمامنا شاهدنا صبي دون العاشرة يحاول إصلاح أو ردم بعض الحفر التي في منطقة صار فيها الشارع شبه ترابي ، صورة تكشف بعض المشاكل الفنية التي إعترت عملية تشييد الطريق ، الصبي يطلب مساعدة أو مقابل مادي نظير مايقوم به من جهد ، صورة طبق الاصل بما يقوم به بعض الشباب بالخرطوم في إصلاح الشوارع بمقابل طوعي .. طوال هذه الرحلة كان ثمة سؤال ظل يروح ويعود يتعلق
بهذه المئات من الكيلومترات من الاراضي التي تمتد على مد البصر في كل الاتجاهات لماذا لم تجد قيادة تؤمن بان الزراعة هي الحل .. الان .. من تلوح وتعرض وتشمخر كأسياف من بعيد مأذن مساجد مدينة الابيض ، دخلناها بهدوء إستُقبلِنا باهزيج الفرح ، هاهي قافلة من ( التكاتك ) تمر شمالنا تزف عريسا أشار مبتهجا إلينا بسعفته التي ظل يلوح بها مبشرا متجاوبا مع تفاعلات المارة ، هناك تتهادى أصوات الزغاريد بين الفينة والاخرى ، دخلنا الي قلب المدينة كان كل شئ حولنا يزكرنا بالجراري وإيقاع طبل المبدع عبدالقادر سالم الذي عرفنا منه كردفان قبل ان نراها ، والان نحن في حضرة رحابها ننقل هذا البث الحي المباشر وسط إستقبال يحكي عن كرم وشهامة إنسان كردفان يجسده هذا الجود والحسن الذي وجدناه من قبل الاخوة من قيادات المؤتمر الشعبي بمدينة الابيض .
ودق :
وهنا الهشاب وعنده قصص الغرام الدارسه
وهناك أسراب الغمام على الرواسي الجائسة
وخطى الضباب نواصيا منها فباتت عابثة
كالمقلة الوطفاء بالدمع الحبيسه محابسه
رعد :
مفرهد يانيلنا
تسير في هدوء
مسيرك شمالا لذاك المصب
تلفت يمين وشوف كردفان
هناك الطبيعه تحرك جبل
شموخ الاباء
رجال الوفاء
وثوب النساء .. علامة الشرف