د. خالد كودي يكتب: نهبوا الوطن ولم يقولوا أو يفعلوا شيئاً؛ شفشفوا بيوتكم فأقمتم الدنيا ولم تقعدوها! (2-2)
نهبوا الوطن ولم يقولوا أو يفعلوا شيئاً؛ شفشفوا بيوتكم فأقمتم الدنيا ولم تقعدوها! (2-2)
بقلم: د. خالد كودي، بوسطن
خامسا: صناعة اللامساواة والتباينات الاجتماعية والطبقية
١/ التعليم والإعلام كأدوات للسيطرة:
يرى نعوم تشومسكي أن الإعلام والتعليم يُستخدمان كأدوات لصياغة الهيمنة الفكرية والتحكم في السرديات الكبرى، حيث يتم تحويل الحقائق وتحريفها لخدمة مصالح السلطة. في السودان، نجد أن وسائل الإعلام الرسمية والخاصة قد لعبت دوراً محورياً في إعادة إنتاج خطاب الهيمنة، عبر شيطنة سكان الهامش والأحزمة السوداء والمناطق المهمشة وتصويرهم كأعداء للوطن، متجاهلة العوامل البنيوية التي دفعتهم نحو الفقر.
في كتابه “صناعة الإجماع”
(Manufacturing Consent)
يوضح تشومسكي كيف تعمل وسائل الإعلام على إخفاء
الجرائم الكبرى للنخب، والتركيز على جرائم الفقراء، مما يخلق وعياً زائفاً يعيد إنتاج نفس الأنماط الطبقية. هذه الفكرة تتقاطع مع تحليل هوارد زين في كتابه “التاريخ الشعبي للولايات المتحدة”
(A People’s History of the United States)
حيث يكشف كيف صُورت الطبقات الفقيرة كمجرمين في الإعلام الأمريكي خلال فترة الحقوق المدنية.
أما في السودان، بالإضافة أي قوانين الوجوه الغريبة، الإعلام الرسمي يعمد إلى إخفاء الجرائم الكبرى مثل نهب الذهب والأراضي، ويصب تركيزه على تصوير سكان الأطراف كـ”شفشافة”، مما يعزز من خطاب الكراهية ضدهم، ويُسهم في إعادة إنتاج التفاوتات الطبقية والاثنية والجهوية.
٢/ خطاب العنصرية:
يرى فرانز فانون أن العنصرية ليست مجرد خطاب كراهية، بل أداة ممنهجة تُستخدم لترسيخ الهيمنة والسيطرة. في السودان، يواجه المهمشون قوانين الوجوه الغريبة، نشهد تصاعداً في الخطاب العنصري ضد سكان الأحزمة السوداء، الذين يُوصمون باللصوصية والإجرام، في حين تتجاهل وسائل الإعلام جذور الأزمة المتمثلة في الفقر والتهميش وخلق وضع الياس.
وفي السياق الأمريكي، يوضح كورنيل ويست في كتابه ” قضايا العرق – ان صحت الترجمة.
)Race Matters)
كيف أن الإعلام الأمريكي لعب دوراً محورياً في خلق صورة نمطية للأمريكيين الأفارقة كمدمني مخدرات ولصوص، ما أدى إلى تعزيز الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين البيض والسود.
مايكل إريك دايسون في كتابه “ما بعد العرق”
(After Race)
ينتقد الخطاب الأمريكي الليبرالي الذي يتجاهل البنية الاقتصادية العنصرية، ويركز على السرديات الفردية لتبرير الفقر الذي يؤدي الي الإجرام.
وفي سياق آخر، تُشير بيل هوكس في كتابها “أين كان الحب؟”
(Where Was the Love?)
إلى أن النظام الأبوي والاستعمار الثقافي يعملان معاً على تكريس العنصرية من خلال وسائل الإعلام والتعليم، مما يجعل الفقراء والمهمشين عرضة للتنميط والتجريم.
أما أليس ووكر في روايتها “اللون الأرجواني”
(The Color Purple)
فتُظهر كيف أن العنف الاجتماعي ضد النساء السوداوات لا يُفصل عن العنف الاقتصادي الذي تمارسه النخب البيضاء، مما يخلق دوائر متكررة من التهميش والإقصاء….
في السودان، لا يختلف المشهد كثيراً، حيث يتم استخدام خطاب العنصرية ضد سكان الأطراف والمهمشين، وخاصة النساء، لتبرير سياسات التهميش والإفقار، وتبرئة النخب الحاكمة من جرائم الفساد والنهب المنظم!
سادسا: نحو خطاب وطني يتجاوز الغبن الشخصي:
١/دعوة لإعادة التفكير في جذور الأزمة:
في زمن الحروب والصراعات واثناءها، تصبح الرؤية ضبابية، ويتحول الغضب الشعبي إلى عداء متبادل بين الفئات الاجتماعية المختلفة، متجاهلاً الجذور الحقيقية للأزمة. يرى جان بول سارتر في كتابه “المسؤولية الفردية” أن تجاوز الغبن الشخصي يستوجب إعادة النظر في البنى البنيوية العميقة التي أدت إلى الأزمات من اصلو، وتوجيه الغضب نحو النظام الطبقي والمؤسسي الذي أسس للنهب والتهميش، وليس تجاه الأفراد أنفسهم.
هذه الرؤية تتقاطع مع تحليل فرانز فانون في “معذبو الأرض”، حيث يرى أن الفقراء والمهمشين يُدفعون إلى محاربة بعضهم البعض، بينما يظل المستفيد الأكبر هو النخبة التي تسيطر على الثروة والسلطة. فانون يؤكد أن الوعي الحقيقي يبدأ من إدراك الطبقة المهمشة بأن عدوها الحقيقي هو النظام الذي أنتج الفقر والتهميش، وليس أفراداً مثلها تحولوا إلى أدوات بيد السلطة
في السياق السوداني، يصبح هذا التحليل أكثر وضوحاً حين نرى كيف أُعيد توجيه الغضب الشعبي نحو “الشفشافة”، متجاهلين أن هؤلاء اللصوص الصغار بالصدفة، وهم في الأصل ضحايا لسياسات الإفقار والتهميش التي انتهجتها النخب لعقود.
٢/ استعادة الوعي الجَمْعي:
المفكر الأمريكي كورنيل ويست في كتابه ” قضايا الديمقراطية ”
(Democracy Matters)
يشدد على ضرورة إعادة بناء الوعي الجَمْعي للمهمشين والمحرومين، حتى لا يتم استخدامهم كأدوات في صراعات جانبية تلهيهم عن العدو الحقيقي. يرى ويست أن السلطة تستخدم الإعلام والدين والسياسة والسياسيين لإعادة إنتاج الهيمنة الطبقية، وتحويل الغضب الشعبي إلى معارك داخلية.
أما بيل هوكس، فتربط بين الطبقة والعرق والجندر في كتابها “أين كان الحب؟”
(Where Was the Love?)
مشيرةً إلى أن تشتت الوعي الجَمْعي يُفقد الطبقات المهمشة القدرة على التمرد الفعّال، ويحولها إلى شرائح متفرقة تتصارع فيما بينها، مما يُبقي النظام الطبقي في مأمن من التغيير الجذري.
٥/ الأدب كنافذة لكشف الأزمة:
الأدب العالمي يقدم لنا نماذج صارخة حول توجيه الغضب الشعبي نحو الفئات الضعيفة بدلاً من النخب. ففي رواية “ابن البلد” ريتشارد رايتس ، نرى كيف يتحول الفقراء السود إلى هدف للشرطة والإعلام، بينما تُغفل الجرائم الكبرى التي ارتكبتها النخب البيضاء. وفي رواية “أغنية سالومون” لتوني موريسون، تتجلى فكرة الانقسامات الداخلية بين الفقراء السود، وكيف يعاد توجيه الغضب الناتج عن الفقر والتهميش إلى صراعات داخلية، مما يعزز من استقرار النظام الطبقي والتراتيبية الاجتماعية.
٦/ حركة عموم إفريقيا والاستنهاض الجَمْعي:
يستحضر كوامي نكروما في كتابه “الاستعمار الجديد”
(Neo-Colonialism)
فكرة تجاوز الانقسامات المحلية من أجل بناء وعي إفريقي موحد، يُعيد توجيه الغضب الشعبي نحو القمع الاقتصادي والإمبريالي.
أما مالكوم إكس، فيركز على ضرورة استعادة كرامة الإنسان الأسود من خلال فهم الجذور البنيوية للقهر، وليس فقط من خلال مقاومة الممارسات الفردية للعنصرية. يقول مالكوم إكس: “إذا لم نعرف من سرقنا، سنستمر في سرقة بعضنا البعض”
في السياق السوداني، فإن إعادة توجيه الغضب الشعبي من صراعات داخلية نحو النظام الطبقي والنخب المستفيدة من الحروب، يصبح ضرورة حتمية لبناء مشروع تحرري شامل يعيد صياغة الهوية الوطنية ويؤسس لعدالة اجتماعية حقيقية.
سابعا: من الغضب الشخصي إلى الغضب الجمعي/الجماعي:
في المجتمعات التي ترزح تحت وطأة القمع والاستغلال، يتحول الغضب الشخصي إلى طاقة متفجرة يمكن أن تُستثمر في بناء حركة اجتماعية شاملة ضد الفساد والتهميش. يرى جيمس بالدوين في كتابه “النار القادمة”
(The Fire Next Time)
أن الغضب الفردي الناتج عن العنصرية والتمييز يجب أن يُترجم إلى مشروع تحرري جماعي، بدلاً من أن يبقى مكبوتاً أو يتحول إلى عنف مدمر. بالنسبة لبالدوين، فإن “الغضب ليس عيباً بل هو شرط للوعي، شريطة أن يتجاوز الفرد ذاته ليرى أنه ليس الوحيد المضطهد”
١/ الغضب كحافز للتغيير:
يستمد مالكوم إكس رؤيته من ذات الفكرة، لكنه يذهب أبعد من ذلك في خطابه “من صوت الرصاص إلى صوت الاقتراع” (The Ballot or the Bullet)
حيث يؤكد أن تحويل الغضب الشخصي إلى طاقة جماعية هو السبيل الوحيد لإحداث تغيير حقيقي في بنية السلطة. يقول مالكوم: “إذا استمررنا في التفكير كأفراد، فسنبقى عبيداً للأبد. يجب أن نعيد صياغة غضبنا ليصبح سلاحاً موحداً ضد الظلم”
٢/ الفلسفة الأخلاقية والغضب الجمعي:
يرى الفيلسوف جان بول سارتر أن الغضب الفردي يمكن أن يصبح مشروعاً جماعياً إذا ارتبط بفكرة “المسؤولية الأخلاقية”، وهي الفكرة التي ناقشها في كتابه “الوجود والعدم”
(Being and Nothingness)
بالنسبة لسارتر، فإن الغضب لا يكون منتجاً إلا إذا ارتبط بوعي جماعي يتجاوز التجربة الفردية إلى الإحساس بمعاناة الآخرين.
على نفس المنوال، يرى غاندي في كتابه “العصيان المدني”
(Civil Disobedience)
أن الغضب الشخصي يجب أن يُعاد تشكيله ليصبح طاقة تقود إلى التغيير. يقول غاندي: “إن أعظم انتقام من الظالم هو أن نرفض أن نصبح مثله”
٣/ الغضب كطاقة ثورية في خطاب ماركوس جارفي:
في حركة عموم إفريقيا، تحولت الفكرة ذاتها إلى محور أساسي في خطاب ماركوس جارفي، الذي دعا السود في الشتات إلى تحويل غضبهم ضد الاستعمار والاستغلال إلى مشروع سياسي، اقتصادي وثقافي جامع. يقول جارفي: “لا تدعوا غضبكم يلتهمكم؛ بل اجعلوا منه محرّكاً يبني أمةً جديدة”
ويستمد جارفي رؤيته من مقولة دبليو. إي. بي. دي بويس، الذي يرى أن “الغضب الأسود هو السوط الذي يجبر الطغاة على الانحناء”. بالنسبة لدي بوايس، فإن التحول من الغضب الفردي إلى العمل الجماعي يبدأ بفهم أن المظالم الشخصية ليست استثناءً، بل هي جزء من منظومة قمعية متكاملة.
٤/ تجارب عالمية في تحويل الغضب إلى حركة جماعية:
١/ نيلسون مانديلا:
في خطابه الشهير “أنا مستعد للموت”، تحدث مانديلا عن كيف حوّل غضبه ضد نظام الأبارتهايد إلى مشروع نضالي جماعي ضد العنصرية، قائلاً: “الغضب العابر هو رصاصة تُطلق في الهواء؛ أما الغضب الذي ينضج في رحم العدل فهو طاقة ثورية لا تُقهر.
٢/ توماس سانكارا:
في بوركينا فاسو، حول سانكارا غضب الفلاحين والعمال ضد الفساد والاستعمار الجديد إلى حركة سياسية جمعت الفقراء والمهمشين تحت راية واحدة. قال سانكارا: “الغضب الذي لا يُنظم يصبح ناراً تأكل نفسها. أما الغضب المنظم، فهو نارٌ تضيء طريق الثورة”
٣/ باتريس لوممبا:
في الكونغو، استطاع لوممبا أن يحول مشاعر الظلم والاستغلال إلى مشروع تحرري ضد الاستعمار البلجيكي، مؤكداً: “العدو الحقيقي ليس الفرد الأبيض؛ بل النظام الذي يحوّل الأبيض إلى سيد والأسود إلى عبد”
الأدب كمساحة لتحويل الغضب:
في رواية “اللون الأرجواني” لأليس ووكر، تُظهر ووكر كيف يتحول غضب النساء السوداوات من القهر الذكوري والعنصري إلى طاقة تغيير جماعي، حيث يتحدن لرفض الاستغلال والعبودية
وفي “صرخة الجلاد”
(Go Tell It on the Mountain)
لجيمس بالدوين، نرى كيف يتحول الغضب ضد الظلم العنصري إلى حركة مقاومة ثقافية تُعيد للأفارقة الأمريكيين هويتهم المسلوبة.
ففي خضم الأزمات المتشابكة التي تعصف بالسودان اليوم، لا يمكن اختزال الصراع في ثنائية “شفشافة” مغلوبين على أمرهم مقابل نخب مترفة في أبراجها العاجية. فالقضية أعمق من ذلك بكثير؛ إنها أزمة بنيوية تُجذر الفوارق الطبقية وتكرس الإفقار الممنهج. إنها صراع لا يستهدف الأفراد فحسب، بل ينفذ إلى أعماق النظام السياسي والاقتصادي الذي استطاع عبر عقود أن يعيد إنتاج نفسه على حساب الفقراء والمهمشين.
هذا الصراع ليس وليد اللحظة؛ إنه امتداد لمسار طويل من سياسات النهب والإقصاء التي بدأت في الأطراف وزحفت ببطء نحو المركز. ففي دارفور، جبال النوبة، والنيل الأزرق، كان الحرق والتشريد واقعاً يومياً، ثم انتقلت نفس الممارسات إلى قلب الخرطوم وتستمر فيها وفي غيرها. لقد أضحت المدن الكبرى ساحات لتصفية الحسابات، وأصبح المهمشون أهدافاً سهلة للتشويه والتجريم، تماماً كما حدث لعقود في الأطراف المنسية.
إن مواجهة الأزمة السودانية اليوم تتطلب إعادة تعريف جذري لمفهوم العدالة. فالعدالة ليست مجرد مطلب قانوني، بل هي رؤية شاملة تعيد ترتيب الأولويات وتكشف عن بنية الاستغلال والنهب. وهنا، يجب أن تكون العدالة إطاراً شاملاً لا يستثني أحداً من المساءلة؛ سواء كان السارق كبيراً أم صغيراً، سواء كان من سرق موارد الدولة واستحوذ على ثرواتها، أم من سرق رغيف خبز ليُطعم أطفاله في زمن الجوع والانهيار- نعم!
إعادة تعريف العدالة تعني كسر الحواجز الاجتماعية والطبقية وإعادة توزيع السلطة والثروة على أسس المساواة والإنصاف. إنها دعوة لخلق عقد اجتماعي جديد، يُعيد بناء السودان على أسس من العدالة التاريخية التي تُحاسب وتنصف الجميع دون استثناء، وتفتح المجال أمام كل السودانيين ليكونوا فاعلين في بناء وطنهم، لا مجرد ضحايا مستمرين في دائرة التهميش والإفقار. وهنا تتضح الحاجة إلى خطاب سياسي جديد يتجاوز التصنيفات الاختزالية، ليعيد صياغة الوطن كفضاء مشترك للعدالة والمواطنة المتساوية.
في كتابه “ما العمل؟”، يرى لينين أن كل ثورة تبدأ بفعل فردي، لكن قوتها تكمن في التحام الأفراد ضمن مشروع جماعي يُعيد صياغة العقد الاجتماعي ويُعيد توزيع السلطة والثروة على أسس أكثر عدالة. وفي السياق السوداني، فإن التحدي يكمن في تحويل الغضب العابر إلى مشروع جمعي يُعيد توجيه الغضب من صراعات بين الضحايا إلى نضال موحد ضد الجناة الحقيقيين. إن هذا التحول يتطلب تنظيماً دقيقاً وإطاراً سياسياً جامعاً، يعيد تشكيل الوعي الجمعي ويحول الغضب من حالة عبثية إلى طاقة بناءة.
جان بول سارتر بدوره يذهب إلى أن الحرية تبدأ حين نرفض أن نكون ضحايا، وحين نعيد تعريف ذواتنا كفاعلين في مجرى التاريخ. بالنسبة لسارتر، فإن الانتصار على الظلم يبدأ بطرح السؤال الأخلاقي العميق: من هو العدو الحقيقي؟ هل هو جارنا الذي سرق ليُطعم أطفاله، أم النظام الذي سرق موارد الوطن وتركنا جميعاً في دوائر متصلة من الفقر والقهر والخصام؟
غاندي، في فلسفته عن المقاومة السلمية، يرى أن العنف العابر هو قنبلة مؤقتة، بينما العنف الهيكلي الذي تُمارسه الأنظمة الفاسدة هو قنبلة موقوتة تُفجّر المجتمعات من الداخل. وهنا تتجلى الحاجة إلى خطاب وطني لا يُصنّف السودانيين بين لصوص “شفشافة” وأسياد نخبويين مظلومين، بل يُعيد بناء السردية الوطنية على أساس العدالة التاريخية التي لا تُفرق بين المركز والهامش، ولا بين الريف والمدينة.
وفي السياق الإفريقي، دعا كوامي نكروما إلى تجاوز الانقسامات العرقية والقبلية والانخراط في مشروع قومي يوحّد الجميع ضد قوى الفساد والإفقار. يقول نكروما: “العدو ليس لونك أو لغتك؛ بل من يقف بينك وبين حقك في الحياة الكريمة”. وفي السودان اليوم، تكمن الفرصة في استثمار الغضب المشروع لبناء خطاب سياسي تحرري يُعيد للسودانيين حس الانتماء إلى وطن واحد ليثور الجميع لأجل حقوق الجميع ولا لأجل فيئة أيا كانت.
وهنا، يبرز مشروع السودان الجديد الذي انعكس في تحالف “تأسيس” كإطار سياسي تحرري يُعيد صياغة مفهوم الوطن على أسس جديدة من العدالة والمساواة والانصاف. تحالف تأسيس ليس مجرد اتفاق سياسي، بل مشروع تحرري شامل يقوم على إعادة توزيع السلطة والثروة، وترسيخ قيم المواطنة المتساوية. ويشمل ذلك:
/ العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة: استعادة الموارد المنهوبة وتوجيهها نحو مشاريع تنموية في المناطق المهمشة1
2/ إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية: تفكيك الأجهزة القمعية وإعادة بناء جيش قومي موحد.
3/ العلمانية والتعددية: فصل الدين عن الدولة لضمان حقوق كل السودانيين والسودانيات.
4/ حق تقرير المصير: فتح المجال للمهمشين لتقرير مصيرهم في إطار وطني جامع وتقديم الوحدة الطوعية.
5/ العدالة التاريخية واللامركزية.
6/ الثقافة والفنون كأداة تحرر: إعادة كتابة التاريخ من منظور الضحايا وتعزيز الذاكرة الجماعية.
إن تحالف تأسيس يُمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء السودان على أسس من العدالة والكرامة والمساواة. والسؤال الجوهري الآن: هل سيستجيب السودانيون لهذا النداء التاريخي؟ وهل ستنجح هذه الفرصة في تحويل الغضب الشعبي المكبوت إلى مشروع وطني يُؤكد للسودان هويته ووحدته المفقودة؟ إن تحويل الفقد الشخصي إلى طاقة بنّاءة يستوجب إعادة تشكيل الوعي الجمعي، بحيث يصبح الغضب المشترك مشروعاً وطنياً يُعلي من قيمة التضامن ويُعيد صياغة مفهوم المواطنة كمسؤولية جماعية.
في النهاية، فإن إعادة بناء السودان تتطلب ألا ننظر إلى الفقد كفعل انكسار، بل كفعل ميلاد جديد؛ ميلاد لوطن يتسع للجميع، ويتجاوز الماضي بأخطائه وجرائمه، ويؤسس لمستقبل قائم على الإنصاف والمساواة. إن اللحظة الراهنة، بكل ما تحمل من آلام وخسارات، قد تكون فرصة تاريخية لإعادة صياغة الوطن كمساحة جامعة للعدالة، حيث يصبح الفقد طاقة متجددة لإعادة بناء وطن يستحق أن يكون بيتاً لكل السودانيين دون استثناء.
النضال مستمر والنصر اكيد
(أدوات البحث التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)