عيسى أحمد الضاكر يكتب..الجلبى والجالوبة جسر التواصل بين النوبة والمسيرية

عيسى أحمد الضاكر  يكتب…الجَلَبى.. والجَالوبة…جسر التواصل  بين جبال النوبة والمسيرية……….

الجلبى والجالوبة رحلة يقوم بها المسيرية إلى جبال النوبة أو الحجر كما يحلو لهم تسميتها.. ويتَم الترتيب لهذه الرحلات من فترة إلى اخرى وذلك بِهَجرِ وتجهيز الثيران التي تتحمل السير لهذه الرحلة التي تستغرق ثلاثة أيام ذهابا وإيابا..وتضم القافلة عدد من الرجال والنساء.. وهي رحلة تبادل تجاري حيث يحملون ويجلبون معهم البهائم و السمك المجفف (الحوت) يسمى حوت ام لبيكه وأم نعيلي وأم شريحي… وهو من الأشياء القيمة والمفضلة لاهلهم في جبال النوبة يسمونه (كليقيه) ويتزاحمون للحصول عليه من الجالوبة .. ويتم بيع البهائم والسمك أثناء مرورهم بالقرى والجبال و في سوق كادقلي… ويتسوقون ويشترون الذرة والدخن والسكر والشاي والفول والويكة والملابس… ومنهم من يأتي في هذه الرحلة الجالوبة بثوره يحمل سَمك ولا يسوق بهائم..لاستقبال التحويل المالي عبر التلغراف من بوستة كادقلي وهذا الشخص (يكون) له أقارب بدار صباح.. فيستلم أمواله ومصاريفه من الصراف موظف التلغراف يسمى واشتهر ب الريس تربيزة او طربيزة… وكان يوجد بكادقلي من يعرفون بالضمان من المسيرية مثل يعقوب وريل.. وعيساوي حامد ابجلحة (عيساي ابقين) وقد تستغرق التلغراف اسبوع او اكثر.. مما يضطر الجالوبة للبقاء والإقامة في ضواحي وأطراف مدينة كادقلي..حيث توجد رهود ومشايش المياه.. ويسرحون الثيران هناك.. ولكسر الملل وطول الانتظار للتلغراف يتجول الشباب منهم في مدينة كادقلي ويدخلون السينما..ويشهدون الرقصات التراثية والألعاب الشعبية.. الكرنق.. الكمبلا.. والصراع…. وفي العودة من رحلة الجالوبة.. تملأ الثيران بالمؤن.. ويمرون بجبال شات الدمام وشات الصفية ..ودلوكة. وجبل بلينجه وكان يز ع أهله البصل. وجبيل الطمح (ويحكي انه سمي بذلك لأن عددا من النساء طمحن أزواجهن وطلعن أعلى الجبل وترابطن مع بعضهن والقين بأنفسهن من أعلى الجبل ومتن كلهن) ويتوقف المسيرية الجالبين.. بمنطقة بشات الصفيه حيث توجد الطواحين.. فيتم الطحن لهم..والجالوبة أو الجلبى.. عملية تجارية و تبادل منافع ومصالح بين المسيرية والنوبة..يتحدث الذين قابلتهم ممن عاشوا في هذه الأيام وشاركوا في رحلات هذه التجارة التبادلية.من النوبة والمسيرية عن مدى روح الثقة والوفاء والاحترام التي كانت تسود في العلاقات بينهم.. وقد حكى بعضهم عن قصص الأمن والأمان والتسامح بينهم.. واحترام الرابطة.والمصالح المشتركة بينهم.. ونتجت عنها صداقت.علاقات واواصر وامتدت وتطورت لدرجة التزاوج والتصاهر. إلى يومنا هذا.. فهم يؤمنون تماما بأنهم خلقوا ليعيشوا سويا وانهم يحتاجون لبعضهم.. لايستغني احد عن الآخر….. وعندما يمر المسيرية الجالبين بالجبيلات أو الحجيرات الصغيرة وهم يحملون معهم الخير من سمك وبهائم يستقبلهم صبيان النوبة وعلى طول خط سيرهم وتوغلهم في الجبال.. بالأغاني احيانا.. وعبارات. الترحيب ..(يقول النوباي اخوي اخوي.. اخوي. تعال جاي . للمسيري القادم إليه).. ومنهم من يغني ( التور جالوبا دبراي كي… التور جالوبا دبراي كي)… ومنهم من يسخر ويهزر ويداعبهم ويقول( هوى عربي ود الكلب الجيعان تجي تشيل عيش الا من النوبة)..فيتبادلون… التنكيت والدعابات العفوية.. .. والضحكات وا٨لبسمات… فهي رحله مليئة بالأخوة والتسامح والتعايش السلمي بين الجيران.الذين اقتضت مشيئة أن يسكنوا هذه البقاع ويتحاوروا رغم الاختلافات والتباينات الثقافية والطبيعية ولكنهم متثشابهين في كثير الجوانب. ورغم بساطتهم…وجهلهم.. لكنهم استطاعوا أن يضربوا مثالا في التعايش والتسامح وبنوا جسورا من الثقة والتواصل وتبادل المنافع…… إنها رحلات الجلبى والجالوبة….ليتنا استطعنا أن نبعد عنهم ونتركهم يعيشوا على بساطتهم وإدارة شأنهم…

لأنهم.. خلقوا ليعيشوا سويا متسامحين…

عيسى أحمد الضاكر.. إذاعة الفوله.. 28سبتمبر2019م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.