د/ أسامة محمد جمعة داؤد يكتب …مواكب الإسلاميين (من الزحف الأخضر إلى الكرامة)
د/ أسامة محمد جمعة داؤد يكتب …مواكب الإسلاميين (من الزحف الأخضر إلى الكرامة)
مواكب الزحف الأخضر التي انطلقت في الخرطوم ومدني في الرابع عشر من ديسمبر 2020م وما بعدها كانت (أولى) إرهاصات عودة الإسلاميين إلى المشهد السياسي من جديد، وخروجهم من العزلة السياسية التي تلبستهم بعد الإطاحة بنظام المؤتمر الوطني .
وفي ظل تغافل قوى الحرية والتغيير وانشعالهم بمعاداة أنفسهم ، وسحب البساط من زملائهم وقادتهم ، تمدد الزحف الأخضر عبر الترويج الإلكتروني والمسيرات والاجتماعات السرية تحت غطاء (تصحيح الثورة) ، ونصرة الشريعة ، والتصدي للاقصاء .
وخلال فترة وجيزة أثبت الاسلاميون أنهم موجودون في المشهد السياسي، وقادرون على دعم الاستقرار وزعزعته في آن واحد ، بعد أن شوهوا كل جداريات الثورة وصور شهدائها ومحوا كل ما يمت اليها بصلة من الطرقات ، وشنوا هجمة شرسة على رموزها لاسيما اصحاب الافكار المنحرفة منهم.
وكاد الحراك أن يصل الى مبتغاه لولا تمرد هيئة العمليات وتصريحات النائب الأول التي ربط فيها بين المواكب الخصراء وتمرد الهيئة ، مما أدى الى إرباك المشهد وتراجع الحراك وتجمده
وفي السادس عشر من اكتوبر 2021م عاد الاسلاميون للظهور مرة أخرى عبر النقابات المحلولة التي شاركت بكل كوادرها في اعتصام القصر الداعي الى حل حكومة حمدوك وتوسعة المشاركة في السلطة ، وقد استطاع الاسلاميون من خلال هذه المشاركة ان يبثوا أناشيدهم وأدبياتهم وأن يؤثروا في بعض الأدارات الأهلية والطرق الصوفية التي شكلت حضوراً كبيراً في أرض الاعتصام .
وقد منح انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي أملاً كبيراً للاسلاميين لممارسة مناشطهم فانخرطوا للعمل معا بعيداً عن واجهات الثورة واعلنوا في الحادي عشر من يونيو 2022م عن تدشين التيار الاسلامي العريض ، وقد وقعت عليه (10) فصائل إسلامية وقد كان هدفهم كما يقولون ( تنزيل الدين في كل أوجه الحياة)، والفوز في الانتخابات القادمة كوسيلة لتحقيق أهدافهم.
أما التطور الأكبر في حراك الاسلاميين فكان وقوفهم خلف مبادرة نداء السودان للتوافق الوطني التي ظهرت في ظل توقف أعمال الآلية الثلاثية ، و قد تم تدشينها بمباركة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في الثاني عشر من أغسطس 2022م عبر مؤتمر الدائرة المستديرة الذي كان هدفه (جمع الاطراف السياسية دون إقصاء) للمشاركة في التحول الديمقراطي المرتقب ، وقد استطاعت المبادرة أن تجذب إليها عددا كبيرا من الأحزاب والتنظيمات والمكونات القبلية والطرق الصوفية وجمهورا كبيرا من التيار الاسلامي العريض لكنها فشلت في استيعاب أحزاب الحرية والتغيير .
وكان من المقرر أن تنظم المبادرة موكباُ نحو القصر الرئاسي في فترة ما بعد المؤتمر ، لولا تصريحات النائب الأول لرئيس مجلس السيادة التي فهم القائمون على المبادرة منها موقفه الرافض للمبادرة ..، وبناءً عليه تم تأجيل الموكب إلى أجل غير مسمى حفاظاً على وحدة القوات النظامية كما يقولون .
وقد قرر القائمون على المبادرة أن يكون الموكب يوم غد السبت التاسع والعشرين من اكتوبر ، واستعاروا له لفظ الكرامة ، فهل يستطيع موكب الكرامة أن يغير شيئاَ في مجريات التسوية السياسية التي اكتملت وسُلمت أوراقها لرئيس الآلية الثلاثية؟.
حتما سوف تستطيع المبادرة أن تؤثر في قناعات رئيس مجلس السيادة ونائبه بشرط أن يكون حضور أنصارها في الموكب كثيفاً ، وعزائمهم قوية ً ، وإصرارهم على الفوز واضحاً والإعلام عن الموكب واسعاً ، وتنظيمه مقنعاً.
أما إذا عزفت الجماهير عن حضور الموكب ، وعجز القائمون عليه عن التحشيد ، فسوف تصبح التسوية أمراً واقعاً ، وسيكون الإسلاميون أمام خيارين إما القبول بها أو رفضها والوقوف إلى جانب المعارضة… وفي الحالتين لن يتوقف زحف الاسلاميين نحو السلطة …ويوم غد لناظره قريب.