مجاهد بشرى يكتب: إيران وإسرائيل … وسؤال السودان: من هو العدو الحقيقي؟
مع اشتداد الصراع في الشرق الأوسط، يطفو إلى السطح سؤال غريب في السودان: لماذا نهتم بما يجري بين إيران وإسرائيل؟
والحقيقة أن هذا السؤال، رغم بساطته، يخفي وراءه غفلةً قاتلة.
ففي الوقت الذي نحترق فيه داخليًا، هناك من يُعيد فتح الأبواب ذاتها التي تسلل منها المشروع الإيراني في الماضي، بل ويمنحه الشرعية من جديد تحت شعارات “المقاومة” و”التحالفات الدولية” دون الاستفادة من دروس الماضي، في شهادة صادقة أن مزيج الاسلاميين و العسكر هو الوصفة السحرية لإعادة السودان إلى قائمة الدول الراعية للارهاب، و تهديد أمن الإقليم بصورة مستمرة.
إيران ليست دولة جارة… إنها مشروع توسعي بوجه عقائدي
لنكن واضحين: إيران لا ترى نفسها مجرد دولة، بل ترى في نفسها “المرشد الأعلى للأمم المستضعفة”، ولديها مشروع معلن لتصدير الثورة، ليس بالكلمة، بل بالمليشيات والسلاح والفتن المذهبية.
من لبنان إلى اليمن، من العراق إلى سوريا، تركت إيران خلفها دولًا ممزقة، ونُخبًا مأسورة، واقتصادات منهارة، وشعوبًا تتقاتل تحت شعارات طائفية.
واليوم، هناك من يحاول إعادة هذه التجربة إلى السودان، لكن هذه المرة بلباس جديد: تحالف عسكري استراتيجي مع روسيا، وتفاهمات خفية مع إيران، وكل ذلك تحت ستار “محاربة الدعم السريع” أو “حماية السيادة”، ظناً منه بأن العالم لا يرى خطورة ما يقبع خلف هذه الخطط المكشوفة، ذات التأثير الكارثي على مستقبل شعوب السودان.
الجيش والحركة الإسلامية… الباب الخلفي للمشروع الإيراني
من الذي أعاد فتح خطوط التواصل مع طهران؟
من الذي وافق على منح الروس قاعدة “فلامنغو” البحرية في البحر الأحمر؟
من الذي يستقبل شحنات السلاح من إيران عبر طائرات إيرانية واضحة الهوية؟
ومن الذي يعيد ذات الخطاب الممجوج عن “محور المقاومة” و”الصمود الإسلامي”؟
إنهم أنفسهم: قادة الجيش والحركة الإسلامية، الذين ما عادوا يبحثون عن شرعية شعبية، بل عن حلفاء خارجيين يضمنون بقاءهم في الحكم بأي ثمن.
وهنا، علينا أن ننتبه: إيران لا تقدم شيئًا مجانًا، بل تشتري النفوذ بالدم، وتصنع مليشيات داخل كل دولة تخدم أجندتها، تمامًا كما صنع نظام البشير قوات رديفة وزرع الفتنة في دارفور وجبال النوبة باسم الدين.
كشفت المستندات التي عثرت مع المبحوح عن اتفاق دفاع مشترك بين نظام البشير البائد، وبين ايران في 2008م ، ومن ضمن تفاصيل الاتفاق ” تحويل الخرطوم إلى قاعدة تصنيع للأسلحة، و إرسالها لضرب تل ابيب.
إسرائيل هل هي العدو… أم حجر العثرة في وجه هذا المشروع؟
قد لا تحب إسرائيل، وقد يكون لديك موقفا عقديا، او أخلاقيا، او فكريا .. وهذا من حقك.
لكن قف قليلًا واسأل نفسك:
- من الذي دمر مصنع اليرموك في 2012م الذي كانت إيران تستخدمه لتهريب السلاح إلى حماس التي دمرت حياة الشعب الفلسطيني الآن في غزة؟
- من الذي فضح عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية عبر السودان؟
- من الذي واجه المشروع النووي الإيراني، وقطع عليه الطريق في كل مرة؟
- ومن الذي لم يسعَ لا لقاعدة عسكرية في بورتسودان، ولا لتأسيس مليشيا في الداخل، ولا لتغذية تيار طائفي؟
الإجابة واحدة: إسرائيل.
وبعيدًا عن العواطف، فإن من يُشعل الحروب في المنطقة، ويدعم الانقلابات، ويموّل الجماعات المتطرفة، ليس “الكيان الصهيوني”، بل طهران.
افتحوا أعينكم: فالشعارات لا تحمي الأوطان في عالم اليوم
للأسف، كثير من النخب السودانية – خصوصًا من يدورون في فلك الإسلاميين – ما زالوا يرفعون شعارات “فلسطين”، ويمجدون إيران، ويتباكون على المقاومة، بينما يسكتون عن جرائم الحرب الرهيبة و الموغلة في الوحشية في السودان، ومجازر الجيش ضد المواطنين العزّل، وتحالفاته المشبوهة مع من دمروا بلدانًا بأكملها.
و من يسكت عن تمدد إيران في السودان، هو نفسه من كان يسكت عن تمدد الفساد والظلم في عهد البشير.
الخلاصة: الخطر الحقيقي ضد السودان ليس في تل أبيب … بل في طهران
- إسرائيل، رغم كل شيء، لا ولم تسعى لاحتلال السودان، ولا لزرع مليشيا فيه.
- أما إيران، فقد فعلتها من قبل بدعمها للحركة الاسلامية، وتستعد لفعلها مجددًا عبر بوابة “تحالف الجيش الإسلامي الروسي”.
- وإن لم ننتبه الآن، فإن بورتسودان قد تتحول إلى صنعاء جديدة، أو بغداد أخرى، يحكمها “ظل” لا نراه… لكنه يتحكم بكل شيء.
لا تريد تطبيعًا مع اسرائيل؟ حسنا، لا تشتري عداوتها إذاً… افعل فقط ما قد يحمي السودان من مشاريع الهيمنة و اختطاف القرار.
و كررها في وجه الاسلاميين و العسكر المغتصبين للسلطة و صناع الارهاب : “من أراد دعم قضايانا، فليبدأ باحترام سيادتنا، لا بتسهيل اختراقها، واختطاف قرارها.