حسن عبد الرضي يكتب: السودان لا يُحسم بالبندقية … والتفاوض شجاعة العقلاء
السودان لا يُحسم بالبندقية … والتفاوض شجاعة العقلاء
حسن عبد الرضي الشيخ
في خضمّ الحرب التي تعصف بالسودان، أصبح من الواضح بما لا يدع مجالًا للشك أن الحسم العسكري حلم بعيد المنال، لا يورث البلاد سوى مزيد من الدمار والانقسام، ولا يجلب للشعب سوى الجوع والتشريد والموت. لقد آن الأوان أن ندرك – جميعًا، عسكريين ومدنيين – أن التفاوض ليس ضعفًا، بل شجاعة عقلانية، وأن الاتفاقات التي تحفظ الحقوق وتحقق مصالح الطرفين ليست عيبًا، بل منتهى الحكمة.
العالم يتفاوض … فلماذا لا نحن؟
الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الأعظم في ميزان القوة العسكرية، جلست إلى طاولة التفاوض مع الحوثيين في اليمن، رغم سنوات من المواجهة العنيفة. وقّع الحوثيون اتفاقًا يقضي بعدم استهداف السفن مقابل وقف الضربات الأمريكية، ولم تُهَن أمريكا، ولم تُسلَب هيبتها، بل أكدت بذلك أن التفاوض أداة من أدوات القوة، وأن المصالح الوطنية تُقدَّم على العناد الأجوف.
حتى إيران، الخصم العنيد للغرب، ما زالت تخوض جولات تفاوض مع الولايات المتحدة، وترضخ، في كل مرة، لشروط تمليها موازين القوى. هل نقصت هيبة إيران؟ كلا. لكن العقل السياسي يقتضي أن تفاوض إذا أردت البقاء، وأن تتراجع خطوة لتتقدم عشر خطوات لاحقًا.
ماذا ننتظر؟
اليوم، وبعد أكثر من عامين على الحرب في السودان، لا أحد منتصر. الخراب طال القرى والمدن، والمواطن فقد أمنه، والمستقبل يبدو معتمًا. من يُراهن على الحسم العسكري يراهن على وهم قاتل. ومن يسعى إلى إعادة الكيزان إلى واجهة الحكم عبر فوهات البنادق، لا يعمل لمصلحة السودان، بل يعيد تدوير نفس الكارثة التي أخرجتنا من ثورة إلى فتنة.
مطلوب من العسكر جميعهم وقفة ضمير وطنية
ليت الجيش السوداني ينظر إلى مصلحة شعبه، لا إلى مصلحة تحالفات إسلاموية مفلسة. فالتفاوض، في هذه اللحظة من تاريخ السودان، ليس خيارًا تكتيكيًا فحسب، بل ضرورة وجودية. القبول بالجلوس إلى الطاولة، وفتح صفحة جديدة عبر اتفاق عادل، سيمنح السودان فرصة للخروج من مستنقع الدم والدمار.
إن الشجاعة الحقيقية ليست في إطلاق النار، بل في اتخاذ قرار يوقفه. لا عيب في التفاوض، ولا مهانة في الاتفاق. المهانة الحقيقية هي أن يستمر القتل، أن يموت الأبرياء، وأن يُدمّر الوطن باسم انتصارات لا تأتي.
فهل يتعظ الجميع … قبل فوات الأوان؟