علي أحمد يكتب: حين تُصبح قاعدة الحرس الثوري الإيراني في بورتسودان منشأة مدنية!

حين تُصبح قاعدة الحرس الثوري الإيراني في بورتسودان منشأة مدنية!

 

علي أحمد

 

أظن أن الضربة التي وجّهتها أمس قوات الدعم السريع إلى قاعدة (عثمان دقنة الجوية)، التي تنطلق منها طائرات الجيش لتفتك بالأبرياء العُزّل في دارفور، والتي تُعدّ مهبطًا ومقرًّا لطائرات شركة (فارس إير قشم) التابعة للحرس الثوري الإيراني المصنَّف منظمة إرهابية دوليًا، لم تُصِب المطار المدني المجاور إلا ببعض الشظايا التي تناثرت عليه دون أن تُحدث أضرارًا تُذكر.

أظن أن هذه الضربة الموجعة لفلول النظام البائد والجماعة الإخوانية الإرهابية وداعميهم الإقليميين قد أصابت أهدافًا عدّة، ويتجلّى ذلك في سلسلة الإدانات التي صدرت من جهات متعددة، منها (مصر)، التي تعلن معاداتها للإخوان المسلمين عامة وتناصر إخوان السودان خاصة، وقد أصبحت بفعلتها هذه كالمجنون الذي يجب أن تُرفع عنه الأقلام، ورفعناه عنها، مع تمنياتنا بأن يعود إليها رشدها، فقد انحطّت كثيرًا، جدًا.

أما الإدانات الأخرى، التي عبّرت عنها بعض الدول العربية والمستعربة مثل جيبوتي، وبعض المنظمات التي تدّعي أنها “إسلامية”، فقد جاءت بناءً على رواية (إخوان) بورتسودان، إذ اتفقت جميع بيانات الإدانة الصادرة عنها على وجود استهداف للمنشآت المدنية والبنية التحتية.
والواقع أن قاعدة (عثمان دقنة) الجوية العسكرية ليست منشأة مدنية، بل وكرٌ للإرهاب العابر للقارات، حتى إن هناك معلومات تفيد باستخدام أسلحة كيميائية نُقلت من هذه القاعدة ضد المدنيين في بعض مناطق دارفور. كما أن جميع الطلعات الجوية للطائرات الحربية، التي استهدفت تدمير البنية التحتية من جسور ومدارس ومستشفيات ومطارات، وقتلت مئات المدنيين العُزّل في قراهم ومدنهم وبواديهم ونجوعهم في دارفور وكردفان وأطراف الخرطوم، قد انطلقت من هذه القاعدة.

فعلامَ تبكي السعودية والكويت وجيبوتي؟ ولمَ لم تبكِ دارفور؟

أما فرية استهداف مطاري كسلا وبورتسودان باعتبارهما منشأتين مدنيتين، فهي فرية مكشوفة ومفضوحة؛ إذ إن الضربة التي وُجّهت إلى مطار كسلا كانت تستهدف مستودعات الوقود التي تتزود بها المقاتلات الأجنبية التي تشنّ الحرب على المواطنين العُزّل في مناطق أخرى من السودان، وهذا ما تجاهلته تلك البيانات المنحازة إلى جماعة الإخوان الإرهابية.

أما بيان رابطة العالم الإسلامي، فحدّث عنه ولا حرج.
إنه بيان الفضيحة.
فهذه المنظمة كانت، ولا تزال، الابن الشرعي والبارّ للأم (الوهابية)، والتي هي منبع التشدّد الذي أفرز الإرهاب وصدّره إلى مختلف أنحاء العالم. وكان الأجدر بها أن تُدين قطع الرؤوس وجزّ الرقاب ومضغ الأكباد التي تقوم بها المليشيات والكتائب الجهادية المتحالفة مع الجيش، مثل كتيبة “البراء بن مالك” وغيرها من الدواعش.

ولكن، يبدو أن الرابطة الإسلامية قد انشغلت بـ(الترفيه)، وها هي تُرفّه عنا وتُضحكنا حتى الثمالة ببيانها الفكه!
وربما تعتقد أن قوات الدعم السريع كيان غير مسلم؟! من يدري؟

لا يوجد عاقل واحد يقف مع هذه الحرب اللعينة.
لقد ظللنا نناشد طرفي النزاع بوقفها منذ اليوم الأول، منذ أن أطلق الإخوان المسلمون (الكيزان) رصاصتهم الأولى.
وظللنا نرفض وندين ونستنكر استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، خصوصًا في دارفور، حيث ظلّت طائرات الجيش، ومعها الطيران “الصديق”، تقصف المدنيين بلا شفقة ولا رحمة، ولم نسمع إدانة واحدة من تلك الجهات.

فهل أصبحت القاعدة الجوية *العسكرية* التي تهبط فيها طائرات الحرس الثوري الإيراني *منشأة مدنية*، بينما صارت مطارات دارفور المدنية “*عسكرية*”؟
قليل من الاتساق الأخلاقي لا يضر!

كان الأجدر بتلك الدول والمنظمات أن تُدين من يقفون خلف هذه الحرب، وهم (الإخوان)، وكان عليها أن تدعو طرفي النزاع إلى وقف القتال، والانخراط في مفاوضات جادّة يُشارك فيها الجميع، تلبيةً لرغبة الشعب في الانتقال المدني الديمقراطي، وأن تمتنع عن دعم أي طرف بالمال أو السلاح أو الإعلام.
لكن هذا الانحياز السافر لأحد أطراف الحرب لن يجلب خيرًا لا للسودان ولا لتلك الدول الداعمة لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان، الطرف الرافض لأي حل سلمي.

لذلك، فإن مثل هذه الإدانات لن تُجدي نفعًا، ولن تُنتج إلا مزيدًا من صبّ الزيت على النار، لأنها تعكس مواقف منحازة لطرف واحد، هو الطرف المسؤول عن معظم البلايا والمآسي التي يعيشها السودانيون، وعلى رأسها هذه الحرب الكارثية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.