الكيزان وكباشي والبرهان تحت ظلال الفكر العابر والمؤقت

الكيزان وكباشي والبرهان تحت ظلال الفكر العابر والمؤقت

 

طاهر عمر

 

أحداث العالم الآن متسارعة لأنه يدخل في حلقة جديدة من التغيّر في المفاهيم وهذا شأن العالم في تقلباته ويحتاج فهمه للفلاسفة والحكماء والأنبياء كما يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في لحظات إنقلاب الزمان و بالنسبة للفلاسفة وعلماء الإجتماع والإقتصاديين والأنثروبولوجيين أن التغيير الهائل في المفاهيم له دالة يسهل قراءتها في إتصالها وإنفصالها ومن وقت لآخر يظهر في حينها من يراقبها في مراقبته لظاهرة المجتمع البشري وكيفية فعله الإنساني التلقائي بعيدا عن أوهام من يظن في فاعلية الإرادة الإلهية.

والشاهد أن البشرية لم تفارق الجهل والمرض والفقر والحروب إلا بعد مفارقتها لفكر رجال الدين من كل شاكلة ولون وأصبحت المجتمعات البشرية لا تحتاج لأوامر من خارجها كالشرائع والأديان في زمن نضجت فيه تجربة الإنسان في معانقته لضمير الوجود وقد أصبحت البشرية تعيش في رحاب مجد العقلانية وإبداع العقل البشري نتاج القطيعة مع التراث الديني المؤدلج وأصبح الدين أفق الرجاء شأن فردي بين الفرد وربه أما علاقة الفرد في صراعه مع مجتمعه فتحكمها معادلة الحرية والعدالة وفي حدود عقلنا البشري وتجربة الإنسان الذي يفترض في الفرد عقلانيته وأخلاقه.

وهذا في ظله يصبح مفهوم الدين أفقي وليس عمودي كما يظن أتباع وحل الفكر الديني من كل شاكلة ولون في السودان وهم أتباع المرشد الكيزاني والامام الانصاري وأتباع الختم. ومسألة مفهوم الدين الأفقي نجدها في فلسفة عمانويل كانط وكيفية تخلصه من تزمته الديني قبل أن يتطلع على أفكار كل من ديفيد هيوم وأفكار ادم إسمث في نظرية المشاعر الأخلاقية وعليه نجد أن في أنثروبولوجيا الليبرالية لكانط يصبح الفكر الليبرالي ليس أساس لنظم حكم فحسب بل يصبح فلسفة لكيفية تجسيد فكرة العيش المشترك وبالتالي تصبح الليبرالية بديلا للفكر الديني.

وبعد كانط نجد كل هذه الأفكار في جهود توكفيل وكيف طوّر فكره في علاقة الرأسمالية والديمقراطية كعلاقة طردية وعكسية العلاقة بين الشيوعية والديمقراطية وبعد توكفيل بقرن كامل نجد فكر ريموند أرون وهو ينتصر لفكر توكفيل في رفضه لحتميات ويقينيات ووثوقيات كل من الماركسية وفكر أوجست كونت كتجسيد لفكر الوضعية المنطقية وإنتصار ريموند أرون لفكر توكفيل الذي إنطلق من علاقة الرأسمالية بالديمقراطية كعلاقة طردية ورفضه لفكرة ماركس الرافض لنمط الإنتاج الرأسمالي.

ما أود قوله وتوضيحه في هذا المقال أن النخب السودانية وعلى مدى القرن الأخير لم تكن تدري أن هناك فلسفة تاريخ حديثة قد بداءت تطل أشعتها بعد نهاية فلسفة التاريخ التقليدية وفيها وبها لم تعد الميتافيزيقا أفق للفلسفة وبالتالي قد أصبحت فكرة الشرط الإنساني هي العمود الفقري لكل من الفلسفة السياسية والفلسفة الإقتصادية وأصبح القرار والإختيار للنظام الليبرالي وهو المحقق لمعادلة الحرية والعدالة ممر إلزامي لمن يريد العبور من فلسفة التاريخ التقليدية الى رحاب فلسفة التاريخ الحديثة التي لم يعد فيها للتراث الديني المؤدلج أي فرصة بجانب الفعل الإنساني.

ومن هنا يمكن للقارئ المدرب أن ير فشل النخب السودانية في فهم فلسفة التاريخ الحديثة في القرن الأخير من مسيرة البشرية ويمكننا أن نفرّق بين النخب السودانية وبين النخب الهندية مثلا نجد أن قرار نهرو وإختياره لهند ديمقراطية وعلمانية في مقابل تخبط النخب السودانية وعدم مقدرتهم على فهم فكرة الشرط الإنساني وفي ظلها لم تعد الميتافيزيقا أفق للفلسفة ونجدها واضحة وجلية في بحث عبدالخالق محجوب لدور للدين في السياسة و تبعه محمد ابراهيم نقد في حوار حول الدولة المدنية و أوصله لعلمانية محابية للأديان ونجدها في المساومة التاريخية للشفيع خضر بين يسار سوداني رث ويمين سوداني غارق وغائص في وحل الفكر الديني ونجدها في مؤالفة النور حمد بين العلمانية والدين ونجدها في فكر كل من كمال الجزولي والحاج وراق في إخلاصهم لتخليد فكر الامام الصادق المهدي وفكر الصادق المهدي من أشرس الأفكار في مناهضة الحداثة ومن هنا ينهض سؤالنا لهم أي المذكورين أي لماذا لم يدرك عبدالخالق محجوب ونقد وكمال الجزولي والحاج وراق والشفيع خضر والنور حمد أن الميتافيزيقا لم تعد أفق للفلسفة؟

ومن هنا يتضح للقارئ أن النخب السودانية لم تكن على علاقة بفلسفة التاريخ الحديثة على مدى القرن الأخير وعليه أن أغلب النخب السودانية لم تدرك أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني المؤدلج وأن الديمقراطية نصابها فصل الدين عن الدولة وأن الترقيع والتوفيق الكاذب فيما يتعلق بوحل الفكر الديني لا يمكن أن يكون بديلا لفكرة الشرط الإنساني وفكرة القرار والإختيار للديمقراطية كبديل لفكر التراث الديني المؤدلج.

لذلك يمكننا القول أن الحرب العبثية بين الجيش الكيزاني والدعم السريع هي نتيجة لغياب الفكر والمفكريين في السودان على مدى القرن الأخير ودورهم في رصد التغيير الهائل في المفاهيم ومن علامات التغيير الهائل في المفاهيم أن مفهوم الدين قد أصبح تاريخي في ظل إنسانية تاريخية.

ومسألة تطوّر الفكر مسألة تحتاج لجهود مراكز بحوث وتحتاج لجهود فكرية من علماء الإجتماع والإقتصاديين والفلاسفة مثلا ريموند أرون في فرنسا قد لاحظ أن أساتذته ظلوا محبوسين في ظل أفكار الوضعية المنطقية أي أفكار كل من ماركس وأوجست كونت ولم يستكن ريموند أرون فقد أعلن إختلافه معهم وبداء يطوّر فكره وجاء بفكرة فلسفة التاريخ الحديثة وهذا لم نجده في ساحة النخب السودانية بل نجدهم يدافعون عن بعضهم البعض.

مثلا كمال الجزولي الشيوعي يدافع ويحاول تخليد فكر الصادق المهدي لذلك يجب ألا يستنكر القارئ رفض مريم الصادق المهدي للعلمانية في حوارها مع عزام لأنها تعرف أن الشفيع خضر ينادي بمساومة تاريخية بين اليسار السوداني واليمين الديني في السودان والنور حمد بمؤالفته بين العلمانية والدين وعبدالخالق محجوب يبحث لدور للدين في السياسة ونقد ينادي بعلمانية محابية للأديان وجميعهم ليس لهم شجاعة ريموند أرون عندما أعلن قطيعته مع أفكار أساتذته رغم هيمنة أفكار الوضعية المنطقية في أفكار كل من ماركس وأوجست كونت وتأكد بأن النيوكانطية في إعتمادها على النزعة الإنسانية قد أكدت على أن الميتافيزيقا لم تعد أفق للتفلسف.

الجيد في الأمر رغم كساد النخب السودانية الفكري إلا أن البشرية بعد الثورة الصناعية قد أصبحت تسير وفقا لتاريخ واحد وهو تاريخ مجتمع ما بعد الثورة الصناعية حتى لمجتمع كاسد فيما يتعلق بالإقتصاد الصناعي كحال مجتمعنا السوداني التقليدي إلا أنه قد أصبح مرتبط بحال مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية وبالتالي لم يعد السودان كجزيرة معزولة عن العالم بل يتأثر بمناشط العالم الإقتصادية رغم أن الإقتصاد السوداني في مستوى إقتصاد المعيشة ولم يعرف الطريق الى إقتصاد التنمية وعليه يمكننا القول بأن مسألة التحول الديمقراطي قد أصبح ممر إلزامي في ظل تسارع الأحداث في عالم قد أصبح تاريخه واحد منذ قيام الثورة الصناعية.

ولذلك يمكنك القول أن ثورة ديسمبر بشعارها حرية سلام وعدالة هي الخطوة الأولى في مسيرة المليون خطوة من أجل اللحاق بمواكب البشرية وقد حققت إزدهارها المادي وأي عرقلة من قبل الكيزان وجيشهم الكيزاني بقيادة البرهان ما هي إلا فرفرة مذبوح وكل جهودهم لإرجاع عقارب الساعة للوراء وهم زائل لا محالة ولا يذكرك إلأ بظهور الفاشية والنازية والشيوعية كفكر مؤقت وعابر في عرقلته لبداية خطوات فلسفة التاريخ الحديثة لذلك قلنا في عنوان المقال أن كباشي والبرهان والكيزان هم بقايا ظلال الفكر العابر والمؤقت أي الفكر الذي ما زال يعتقد بأن الميتافيزيقا يمكن أن تكون أفق للفلسفة وهيهات.

ولكن المحزن أن الكيزان وكباشي والبرهان في تجسيدهم للفكر العابر والمؤقت الآن يلعبون دور عرقلة النازية والفاشية لبداية فلسفة التاريخ الحديثة وقد طالت فترة الفكر العابر والمؤقت وغطى مدى زماني إمتد في زمن ما بين الحربين العالمتين وبعدها قد إختفت الفاشية والنازية والشيوعية وسيختفي الكيزان وكباشي والبرهان وهذا يحتاج لجهود فكرية من النخب تستخدم فيها فكرة المعجل أو المسرع في أدب النظريات الإقتصادية من أجل أن ينقطع الطريق على فكر كباشي والكيزان والبرهان كفكر عابر ومؤقت.

ونقولها للنخب السودانية أن تخطي أفكار فلسفة التاريخ التقليدية وميلاد فكر فلسفة التاريخ الحديثة قد إحتاج لثلاثة عقود لذلك قليلون من الفلاسفة وعلماء الإجتماع والإقتصاديين والمؤرخيين غير التقليدين من كان مدرك لبداية فلسفة التاريخ الحديثة وسعى بجهوده الفكرية لكي يوضح ملامحها ونذكر منهم ماكس فيبر وريموند أرون وجون ماينرد كينز لذلك بعد ظهور فلسفة التاريخ الحديثة لم تكون مباغتة لهم بل كانت روح أحلامهم وقد تنباءوا بها.

ومن هنا نقول للنخب السودانية دوركم الآن هو دور من يعرف أن بعد ثلاثة عقود ينبغي أن يكون الشعب السوداني جزء فاعل في مجتمع ما بعد الثورة الصناعية لذلك لا يمكن أن يكون الفاعل السياسي الآن من يلعب في ساحة الفكر بالفكر العابر والمؤقت أمثال الكيزان وكباشي والبرهان وهذا يتطلب ظهور شخصية تاريخية تعرف فكرة الشرط الإنساني ويكون قرارها وإختيارها لسودان علماني وديمقراطي كإختيار نهرو لهند علمانية وديمقراطية.

نقول مثل القول وندرك أن أغلب النخب السودانية أسيرة ثقافة عربية إسلامية تقليدية تعيش قطيعتين كما يقول محمد أركون قطيعتها مع نزعتها الإنسانية في فكر ابن مسكوية والتوحيدي و قطيعتها الثانية مع الحداثة لذلك يتطلب من النخب السودانية إعمال القطيعة مع التراث الديني المؤدلج لحضارة إسلامية عربية تقليدية تعتبر اليوم من أشرس المناهضيين للحداثة ونذّكر النخب السودانية بأن ولي العهد السعودي بمشروعه 2030 وإبعاده لرجال الدين وقد قالها بأن بفكرهم به ومعه لا يمكن تحقيق تنمية إقتصادية وتنمية إجتماعية وقول وفعل ولي العهد السعودي ما هو إلا بداية طريق السعودية لطريق فلسفة التاريخ الحديثة وتوضيح ذلك يحتاج لمقال منفصل يوضح بأن السعودية قد فارقت فكر الصحوة الإسلامية كفكر عابر ومؤقت.

وبالتالي على المدى المنظور ينتظر السعودية إصلاح سياسي وعليه ربما يكون ولي العهد السعودي أقرب للحكمة من عبد الفتاح السيسي وهو يسير في طريق تأسيس نظام حكم تسلطي في مصر وهيهات لأن أحداث العالم متسارعة وستدخل مصر في إختناقات إقتصادية متسارعة ستقطع الطريق أمام أي تأسيس لنظام حكم تسلطي في مصر رغم عجز النخب المصرية في أن تعبر بمصر الى حيز المجتمعات الصناعية.

وعليه يكون تنبيهنا للنخب السودانية أن فكر الكيزان فكر عابر و مؤقت ولا يختلف عن النازية والفاشية والشيوعية وقد إختفى الفكر النازي والفاشي والشيوعي من مسرح الوجود وبالتأكيد سيلحقه الفكر الكيزاني الكاسد ولكم في جهود ولي العهد السعودي وإبعاده لرجال الدين في السعودية عظة لذلك نقول لكل من يظن بأن للكيزان دور في مستقبل السودان نقول له أنك ليس على موعد مع فلسفة التاريخ الحديثة التي تبعد الكيزان وليس لك موعد مع الحضارات في ظل مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية وهي تعيش مفهوم الدولة الحديثة وممارسة السلطة وفقا لمعادلة الحرية والعدالة وهي تنتصر للفرد والعقل والحرية وأن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني أي دين نقول أن الديمقراطية الليبرالية تنتصر للفرد وليس للقبيلة أو الملة كما يعتقد الكوز وهو عايش في فكره العابر والمؤقت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.