إيران تعوّض تراجع الحوثيين عبر السودان: دعم عسكري مكشوف لتوسيع النفوذ في البحر الأحمر
في ظل الضربات الأمريكية المكثفة على جماعة الحوثي في اليمن، تسارع إيران إلى إعادة توزيع أوراق نفوذها الإقليمي، وهذه المرة عبر السودان. تكشف معلومات استخباراتية وتقارير متقاطعة أن طهران بدأت في تزويد الجيش السوداني بأسلحة وطائرات مسيّرة عبر رحلات شحن جوية مباشرة، في خطوة يرى مراقبون أنها تأتي لتعويض التراجع الاستراتيجي في اليمن، ولبناء جبهة نفوذ بديلة على الشاطئ الإفريقي من البحر الأحمر.
السودان: البديل الجغرافي لنفوذ الحوثيين؟
منذ بدء الغارات الغربية على معاقل الحوثيين في اليمن أوائل 2024، تقلّصت قدرة إيران على استخدام الجماعة كأداة بحرية فعّالة لتهديد الملاحة في باب المندب. ومع ذلك، لم تتراجع طهران، بل وجّهت بوصلتها نحو السودان، حيث الفوضى السياسية والعسكرية المستمرة منذ عامين، توفر بيئة مثالية لتأسيس موطئ قدم جديد.
دعم عسكري مباشر: شحنات جوية وتكنولوجيا مسيّرة
كشف مصدر استخباراتي أوروبي لقناة Iran International أن طائرة شحن من طراز بوينغ 747، رقم التسجيل EP-FAB، والمُشغّلة بواسطة شركة “فارس إير قشم” التابعة للحرس الثوري الإيراني، أقلعت من طهران بتاريخ 17 مارس 2025، وهبطت في مطار بورتسودان تحت رقم الرحلة W5998، حاملة شحنة من الأسلحة والمعدات العسكرية. وأكد مصدر ثانٍ مطلع على أنشطة الحرس الثوري الإيراني أن الشحنة شملت طائرات مسيّرة متعددة الأنواع، سلّمت مباشرة إلى الجيش السوداني.
نشرت BBC World Service صورًا عبر الأقمار الصناعية لطائرات إيرانية من طراز “أبابيل-3″ و”مهاجر-6” في قاعدة عسكرية سودانية قرب الخرطوم. كما ظهرت صور لصواريخ مضادة للدروع، يُعتقد أنها من طراز “صاعقة-2” الإيرانية، منتشرة في مواقع تابعة للجيش.
الطائرات المسيّرة والدبابات الإيرانية تغيّر المعادلة
وفق تحقيق رويترز في 10 أبريل 2025، بدأت الطائرات المسيّرة الإيرانية في التأثير على ميزان القوى في الحرب، خصوصًا في معركة أم درمان، حيث ساعدت الضربات الدقيقة الجيش على استعادة مواقع حيوية. وذكر مسؤولون أن خبراء إيرانيين يقدمون التدريب الميداني للقوات السودانية، مما يزيد من فاعلية هذه الطائرات ويقلّل من تكلفتها التشغيلية مقارنة بالطائرات التقليدية.
لكن المساعدة الإيرانية لا تقتصر على الطائرات المسيّرة، إذ تُظهر تقارير ميدانية استمرار الجيش السوداني في استخدام دبابات T-72Z إيرانية الصنع، المعروفة محليًا باسم “الزبير-1″، في المعارك الحضرية والريفية، خصوصًا في الخرطوم ودارفور. ظهرت الدبابة مؤخرًا في تسجيل مصور لوحدة تابعة للقوات المسلحة وهي تخوض عمليات في إحدى جبهات القتال، كما بدت مزوّدة بتقنيات إضافية مثل مناظير الرؤية الليلية وطائرات مراقبة صينية تجارية من طراز DJI.
برنامج T-72Z هو مشروع تحديث إيراني يعود إلى التسعينيات، شمل تطوير دبابات سوفيتية قديمة من طراز T-54/55 وType 59، وتم تزويدها بدروع تفاعلية، وأنظمة رؤية ليلية، ومدافع رئيسية من عيار 105 مم، إضافة إلى صواريخ موجهة بالليزر. وتعمل بمحرك ديزل بقوة 780 حصانًا، وتضم تجهيزات إلكترونية واتصالات حديثة نسبيًا، ما يجعلها واحدة من أثقل القطع القتالية في ترسانة الجيش السوداني حاليًا.
توازن القوى: إيران مقابل الإمارات
في ظل الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يشكّل هذا الدعم الإيراني المكثف نقطة توازن مضادة للدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع. فبينما تميل الإمارات لدعم ميليشيات غير نظامية مرنة، تتجه إيران نحو بناء نفوذها من خلال مؤسسة عسكرية رسمية، ما يمنحها نفاذًا أعمق في بنية الدولة وقدرة على المناورة الدبلوماسية.
مشروع “النموذج السوداني” لوكلاء إيران؟
تكرار النمط الإيراني في السودان – دعم مؤسسة رسمية، تسليح بطائرات مسيّرة، واستخدام معدات إيرانية الصنع – يشير إلى نموذج جديد في مشروع طهران الإقليمي. “النموذج السوداني” قد يتحول إلى صيغة مستقبلية لتوسيع النفوذ دون الاعتماد الكامل على وكلاء غير رسميين، بل عبر دعم حكومات أو جيوش محاصرة مقابل تموضع جيوسياسي وإستراتيجي في مناطق حساسة مثل البحر الأحمر.
وفي وقت تتصاعد فيه المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع وسط صمت دولي، تتوسع رقعة الاشتباك لتشمل توازنات دولية وتحالفات غير معلنة، حيث يتحول السودان إلى مسرح صراع نفوذ بين أبوظبي وطهران، وربما قريبًا بين واشنطن وموسكو أيضًا.
أفق جديد