خالد فضل يكتب .. إعادة بناء السودان بالإجبار أم بالتراضي

 

إعادة بناء السودان بالإجبار أم بالتراضي

 

خالد فضل

 

 

لم يعد في أمر السودان ما هو خاف , ذلك الذي نظر الأعمى إلى عوراته وأسمعت أنّاته من به صمم.

كل الدول التي نالت إستقلالها مجايلة معه , وغالبها بعده , بلغت سن الستين عمرا تزيد أو تنقص قليلا , تعاورتها أزمات , تعثرت بها الخطوات , لم ترتق بعد إلى مصاف التقدم والرقي كما في بلدان أوربا الغربية أو اليابان , لكنها على كل حال وصلت مراحل معقولة في هذا المضمار .

السودان في الحقيقة تقهقر عمّا كان عليه لحظة الميلاد , ولد بحدود مترامية مقدارها مليون ميل مربع , نقص ثلثها على الأقل بتفريخ جمهورية جنوب السودان .

ولد السودان من رحم مؤسسة تشريعية رقابية (البرلمان) المنتخب , غيّبت الأنظمة العسكرية المتعاقبة هذه المؤسسة فعليا وإنْ بنت لها دارا فخيمة على شاطئ النيل بأم درمان , عناية بالمباني دون المعاني , وهذه من إشارات الضلال عن الطريق الصحيح .

خدمة مدنية متميزة , بمهام مهنية دقيقة , جرى تدميرها رويدا رويدا , حتى تحولت على آخر أيامها إلى منجم لتفريخ الفساد المالي والسياسي والإداري والأخلاقي .

قوات دفاع السودان , صارت القوات المسلحة , أضافت لها الأنظمة العسكرية كلمة الشعب , لكنها في واقع الممارسة ظلت ضد الشعب وخياراته الحرة بإستمرار . نهضت بحروبها كلها ضد بعض أبناء الشعب الذين ظلوا يرفعون مطالب أو مظالم تستحق النظر والحل , لا الردع والعسف .

مشروعات انتاجية ومؤسسات خدمية ذات قيمة إقتصادية وإجتماعية وثقافية , صارت أشباحا , أقتلعت قضبان سكة الحديد واندثرت قطاراتها , جفّت مواعين النقل البحري والنهري والماء من تحتها مبذول . تشلّعت مؤسسات الأشغال العامة والنقل الميكانيكي والمخازن والمهمات , وانفرط عقد النظام الضابط في مجالاتها , صار نهبا بين الضباع المسعورة.

أجدبت المشاريع المروية , بيعت معدات وآليات مشروع الجزيرة وبعضها صنع خصيصا . وتحطّم نظام الري الإنسيابي البديع على وقع نهم شركات التمكين التي تحصد المال بمقدار الأمتار المكعبة من الطمي والطين في تنظيف القنوات . حاق بالمزارعين المحل , فهجروا الزراعة إلى عقودات عمل بالريال في وظائف رعاة المواشي  جملين وست شياه .

المجاعات ؛ عرفها الناس لأول مرّة في العهد الوطني , ودولة الخلافة المهدية , مكث المستعمر 57 عاما , يؤرخ الناس بمجاعة سنة 6, لكنها عادت سنة 1984م في ظل الخلافة النميرية , واستمرت في ثلاثينية الخلافة الترابية/ البشيرية حتى اليوم .

شبّت نيران الجهوية والعنصرية , واستعرت الصراعات بين القبائل ونمت الغبائن , فساد الإنقسام والتوجس , وانعدم الوئام والسلام .

تفشى خطاب الكراهية , وفعل التوحش , ومع كل حرب أهلية تزداد عوامل الفرقة والتشتت , وتحولت الخلافات السياسية والفكرية (المعنوية) إلى ممارسات تشفي وإنتقام (مادية) .

البلدان من جيل بلدنا نمت وتطورت نسبيا , بينما يسعى البعض في سن السبعين إلى العنف والجبروت والقمع والإرهاب لبناء مسخ على هيئة وطن . يا للظلم الذي لحق بشعب البوربون !!

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.