د. علاء الدين عوض نقد يكتب.. الحقوق تُنتزع ولا تُطلب

 

الحقوق تُنتزع ولا تُطلب

 

د. علاء الدين عوض نقد

 

في بداية حرب المؤتمر الوطني هذه، كتبت وتحدثت عن أن هناك أربعة مشاريع أو “سيناريوهات”، للمؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وجيشها – المسمى بغير أحقية الجيش السوداني – في حربها هذه وهي:

أولاً: الانتصار السريع كما صرح بذلك العديد من قادة الجيش، وعلى رأسهم “ياسر العطا”، بل أيضاً من قبل الحرب، عندما صرح بها لأعضاء الحرية و التغيير في أحد الاجتماعات، وكان يعتقد ان القوى المدنية قد تصدق تلك الافكار، و تنخدع بها.

ثانياً: تدمير البنى التحتية للسودان، وقد ظهر ذلك في إعلامهم المضلل المدفوع الأجر، عندما كانوا يقولون أن كل ذلك قد “عملناه نحن في فترة حكمنا”، ونحن الآن نزيله كضريبة لهذه الحرب، كما قال نافعهم “الغير نافع” من قبل:”علمناكم اكل البيتزا و الهوت دوق”.

ثالثاً: الحرب الأهلية بين السودانيين، وهذا الأمر لم يكن وليد اللحظة، أو خلال هذه الحرب فقط، بل عمد الإسلاميون والمؤتمر اللاوطني طيلة فترة حكمهم على العمل بسياسة فرق تسد، وافتعال المشاكل والفتن القبلية بين قبائل السودانيين، حتى وأنه كانت لديهم ادارات تسمى بـ”أمن القبائل”، في جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية، وقد عملوا حتى اثناء الفترة الانتقالية على افتعال مثل هذه المشاكل و النزاعات المسلحة، والتي راحت ضحيتها الكثير من الارواح فضلاً عن تخريب الممتلكات.

رابعاً: تقسيم السودان إذا لم يتمكنوا من الانتصار والعودة لحكم البلاد فيكتفوا حينها بحكم جزء منها ولو ولاية واحدة، وهم في ذلك أصحاب “خبرة كبيرة”، إذ أن مشروعهم اللاوطني يقوم على هذه الافكار التي تم تطبيق بعضها “مثلث حمدي – فصل جنوب السودان -حرب اقليم دارفور – دولة البحر و النهر ..الخ”، وهذا ما يطبقه الجيش والمؤتمر اللاوطني وحكومة الأمر الواقع الآن، من خلال ما يقومون به من إجراءات وسياسات .

يجب على القوى السياسية الوطنية ألا تقف مكتوفة الأيدي، وهي تشاهد هذا السيناريو الذي يتم تحت غطاء الحرب، وألا تكتفي ببيانات الإدانة والشجب، فهذا لعمري هو “نقص القادرين على التمام .”

لا بد أن تقوم القوى المدنية بمقابلة مشروع التقسيم هذا بإعلان حكومة مدنية تستعيد قوة ووهج وعنفوان ثورة ديسمبر التي وحدت الشعب السوداني جميعه، للتخلص من زمرة المؤتمر اللاوطني الفاسدة، ويجب على السياسيين التحرر من تأثير خطاب الابتزاز الذي وضعها فيه إعلام “الكيزان”، بأنهم الظهير السياسي للدعم السريع، وأصبحوا يفكرون الف مرة قبل كل بيان أو تصريح، عن كيفية نفي هذا الأمر.

إن المسوغات لإعلان حكومة  كثيرة جداً، ومنها إن الحكومة الحالية في بورتسودان، هي حكومة أمر واقع لا شرعية لها من غير البندقية، وهي حكومة حرب، وعبارة عن “إعادة تدوير”، لكل عناصر النظام البائد والمتحالفين معهم. ليس فقط من كانوا معهم من قبل، بل من أشعلوا هذه الحرب ويؤججون نارها ويمنعون إيقافها، و كلهم من أهل “بل بس”

طما إنها حكومة تفرق بين السودانيين على حسب مناطقهم وأصولهم وأجناسهم وأعراقهم، فهي تستحق بجدارة ان تُسمى “حكومة الفصل العنصري”، وأيضاً على أساس الرأي السياسي وهناك أدلة كثيرة على ذلك،

أولها منع مواطني دارفور وكردفان من استخراج اوراقهم الثبوتية “الجوازات، الرقم الوطني، تجديد الجواز، ثوثيق الشهادات الجامعية و استخراجها الخ الخ”، على اساس عنصري، كما حدث سفارة السودان في يوغندا للمواطن “عثمان مختار” في يونيو ٢٠٢٤ وكذلك المواطنة “حنان حسن” في ٢٠٢٤/٧/١٦على أساس سياسي.

ومثلما حدث أيضاً في سفارة السودان في الرياض /السعودية ٢٠٢٤/١٠/٢٤ التي منعت مواطنين من دارفور و كردفان من إصدار جوازات. وتم فصل الإدارات الأهلية في جنوب دارفور ٢٠٢٤/١١/٧ من قبل سلطات المركز. كما تم إقرار قانون الوجوه الغريبة الذي تم بموجبه وإصدار أحكام بالإعدام والسجن على مواطنين بسببه، فتم اعتقال الطالب عمر أحمد عبدالهادي ٢٠٢٤/١٠/٨ أثناء تحركه من منطقة الخوي الى دنقلا لامتحانات الشهادة، من قبل مستنفري الجيش، وكذلك تم اعتقال أبناء الأستاذ الطاهر ضو البيت “عادل والصادق” – وهم من أبناء”نيالا” – في مدينة عطبرة و أصدرت في مواجهتهم أحكاماً بالسجن ١٠ سنوات، بتهمة تأييد الدعم السريع، فقط لوجود محادثات على هواتفهم مع “عمهم”، يقولون فيها “لا للحرب”، والأمثلة كثيرة.

ومما لا يختلف عليه اثنان، أن حكومة الامر الواقع لا تستطيع خدمة المواطن، لا في مناطق سيطرة الدعم السريع، ولا مناطق سيطرة الجيش. ولا تعترف بالحقائق، و تسيس الخدمات الطبية والصحية فهي لا تعترف بالمجاعة التي يتحدث عنها العالم كله، والتي اعترف بها الدعم السريع في مناطقه، وطلب من الجميع المساعدة، وفتح المعابرلأجل ذلك.

وكذلك لا تعترف حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بالأوبئة، ومنها الكوليرا التي تنتشر في مناطق سيطرة الجيش، والدفتريا في مدينة شندي التي نزح اليها المواطنين من الجزيرة كونها تريد أن تستمر كذبة “تسميم المياه والدقيق” من قبل الدعم السريع، في المناطق التي نزح منها مصابو الكوليرا من شرق الجزيرة.

وتمنع سلطات بورتسودان إيصال الدواء الى مناطق سيطرة الدعم السريع، وتحرم عاملي وزارة الصحة الموجودين في تلك المناطق رواتبهم البسيطة التي كانت تسري في بداية الحرب، متعللة بأن الدعم السريع لا يساعد في ايصال الدواء. فيما أعلن وزير الصحة أن “مجلس السيادة” وفر ٥٠ مليون دولار للدواء، وأن الدواء متوفر “لكن المشكلة في التوزيع”، وبالذات في مناطق الدعم السريع. بينما شح الدواء واضحاً في كل السودان، والناس يموتون بالأوبئة لانعدام الدواء، ولنقص محاليل غسيل الكلى. المرضى في المستشفيات يشترون حتى خيوط الجراحة والمستلزمات التي كانت تتوفر في المستشفيات، يشترونها من الصيدليات العامةً، كما إن المساعدات تباع في الاسواق، في مناطق حكومة الامر الواقع.

أما عن التعليم، فقد فتحت المدارس واستمرت العملية التعليمية وامتحانات الشهادة في مناطق الجيش مع حرمان المواطنيين في مناطق الدعم السريع منها.

وتعيش حكومة الأمر الواقع عزلة دبلوماسية كبيرة واضحة للجميع، وليس هناك أي عمل دبلوماسي لصالح السودان وشعبه، بل ان الدبلوماسيين الان يعرضون السودان في سوق النخاسة العالمي ولا ادل من ذلك على تصريح وزير خارجية الأمر الواقع، بأن ساحل البحر الأحمر مفتوح لروسيا، أمريكا، فرنسا، و”أي دولة”، لعمل قاعدة بحرية عسكرية مقابل المال.

وتضم حكومة بورتسودان وزير خارجية لا يعرف شيئاً عن زيارات وزير المالية لدول أخرى، وإبرامه اتفاقيات و معاهدات ما ينم عن تخبط كبير.

وفي مجال الاقتصاد تم تغيير العملة في شكل من أشكال الفصل العنصري، للضغط على مواطنين سودانيين في مناطق معينة على أساس عنصري وقبلي.

وفرضت أتاوات الحرب وما يسمى بدعم المجهود الحربي على المواطنين برغم حالتهم الاقتصادية السيئة كما حدث في أسواق المحاصيل في ولاية القضارف، إذ يورد معبر القلابات ترليوني جنيه في اليوم الواحد بالإضافة إلى ١٠٠ مليار جنيه من رسوم “أمر محلي”، دون أن ينعكس ذلك على الخدمات حيث تشهد الولاية شحاً في المياه وقطوعات مستمرة.

وهناك فساد السفارات السودانية في الخارج كما في سفارة الهند، التي ألزمت ١٥٠ طالباً سودانياً كانوا قد اكملوا اجراءات إصدار الجوازات قبل الحرب – بعد دفع ٢٣٠ دولاراً – برسوم جديدة بلغت٣٠٠ دولاراً، و اضطروا للدفع.

كل هذه الامثلة وغيرها تبين الحاجة الماسة والعاجلة لتشكيل حكومة مدنية تبطل شرعية الأمر الواقع، التي تستخدم لمواصلة الحرب، وتقسيم السودان .

د.علاء الدين عوض نقد

٢٠٢٤/١٢/١٧

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.