علي أحمد يكتب: حين التحم الجيشان في الخيال وسقطت الصحافة في الرذيلة !
يا لها من سقطة كبرى وانهيار مريع للقيم الأخلاقية المهنية للصحافة، أن يتسلل مراسلون لقنوات فضائية عبر المراكب والأنفاق إلى القيادة العامة للجيش؛ ضمن وحدة عسكرية كيزانية لا تتجاوز (50) شخصاً، جلهم يتبعون للاستخبارات العسكرية والإعلام العسكري (التوجيه المعنوي)، ويصورون مقاطع فيديو وينتجون تقارير صحفية مخادعة تبثها قناتا الحدث والعربية وثالثتهما (الجزيرة)، بعنوان “التحام الجيوش وسيطرة القوات المسلحة السودانية على مقر القيادة العامة بالخرطوم”!!
يا لعار الصحافة الوالغة في التزوير والبهتان والتضليل وبث الشائعات، ويا لشنارها إذ يتم (القبض عليها بالثابتة) وهي تشارك في الحرب بجانب الإسلاميين وتشتغل خادمة مطيعة للاستخبارات ولتنظيم (علي كرتي)، تفعل مثلهم، تتسلل ليلاً كما العصابات الاجرامية المسلحة، وتكذب وتضلل وتفبرك وتبث التقارير الكاذبة.
ثم تأتي (نقابة الصحفيين) الساكتة عن (الحق) لتتصدى بالرد على بيان قوات الدعم السريع الذي وصف بعض مراسلي القنوات والوكالات بالمأجورين وذوي الولاء السياسي لمنصات إعلامية تضليلية تتبع للنظام السابق، وتعتبر تصريحاته “تحريضًا صريحًا على الصحفيين والصحفيات وتعزز مناخًا عدائيًا يهدد حياتهم وسلامتهم ويمهد الطريق لأعمال انتقامية خطيرة قد ترتكب بحقهم”؛ وكأن لنقابة “عبد المنعم أبو إدريس” مرشح الأمن الشعبي لمنصب النقيب وصفاً آخر لهذا السقوط المهني المريع لمراسلي القنوات والوكالات المشار إليها أعلاه غير أنهم مأجورون، بل هؤلاء (دواعش) ومحاربون، يتسللون ليلاً رفقة الاستخبارات وإعلام الجيش والمليشيات الإرهابية، عبر الأنفاق والمراكب النيلية لينتجوا تقارير مزيفة لفرع التوجيه المعنوي تحت عنوان “التحام الجيشين” الذي فك الحصار عن القيادة العامة، فيما الحقيقة عكس ذلك تماماً، فلا التحام ولا فك حصار، وكل ما فعله الجيش هو تدمير مصفاة الخرطوم للنفط (الجيلي) بالطيران، وبالتالي قررت قوات الدعم السريع الانسحاب منها لأنها أصبحت غير مفيدة فقد انهارت المصفاة بالكامل.
خلال هذه الحرب بالذات، ويمكنني أن أعطي قائمة بالأسماء، انضم العديد من الصحفيين والصحفيات إلى الغرف الإعلامية للحركة الإسلامية والاستخبارات العسكرية اللتين تنسقان معاً لفبركة وتزوير الأخبار بمقابل مالي. هذا معلوم للجميع، لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك. لكن ما فعلته القنوات المشار إليها في هذا المقال، خصوصاً العربية والحدث، فيما يتعلق بخبر (فك الحصار عن القيادة العامة) يعتبر سقطة أخلاقية مدوية ولا مثيل لها، إذ بعد ساعات من بثها الخبر الكاذب نشر جنود يتبعون للدعم السريع مقاطع فيديو حديثة ومؤرخة بالقرب من سلاح الاشارة ومن داخل مقر القيادة العامة. كما أن هذه القنوات عجزت عن رفد جمهورها بمقاطع فيديو تؤكد أن ثمة معارك دارت في القيادة العامة، لا مركبات مدمرة، ولا أسرى، ولا قتلى، ولا أصوات مدافع وأزيز طيران. إذاً كيف تم فك الحصار دون إطلاق طلقة واحدة، أو قتل جندي واحد، أو أسر أسير واحد؟!
ماذا نسمي هذا النوع من الإعلام؟ ماذا بوسعنا أن نطلق على مراسلي هذه القنوات الذين تسللوا رفقة الاستخبارات العسكرية ومليشيات البراء الإرهابية ليلاً فرادى عن طريق النيل؟ هل يكفي أن نصفهم بالمأجورين ومفارقي الأخلاق المهنية، أم أنهم مجرمون وإرهابيون ودواعش؟!
إن ما فعله هؤلاء المراسلون يضع سمعة مؤسساتهم الإعلامية على المحك. هل يكفي أن نقول إن مراسل العربية والحدث “نزار بقداوي” مثلاً ارتكب خطأ مهنياً فادحاً؟ لا أظن أن هذا الوصف كافياً، فعليه أن يخرج ليحدث الناس، عن الطريقة التي وصل بها إلى القيادة العامة، وبرفقة من؟ وكيف تسلل؟ ويحدثنا كذلك عن المعارك التي شهدها ويبث لنا صوراً لآثارها، إن لم يشهدها؟ وإلا فإنه وغيره ممن تسللوا وفبركوا وكذبوا، والبراؤون الدواعش سواء، لا فرق!
إنها ليست صحافة مأجورة كما قالت قوات الدعم السريع، بل لا هم صحفيون ولا هو إعلام. إنها دعارة وإنهم داعرون، يمارسون الرذيلة بلا حشمة في الهواء الطلق بالأموال القطرية القذرة الممولة للحرب.