مشاكل وتحديات التعليم.. أطفال السودان في مصر يواجهون الضياع

يقاس تطور الدول ونهضتها من الناحية التعليمية بكافة مراحلها المختلفة ومدى الاستفادة من التطور الأكاديمي والعلمي في رفع الأمم، وقد اثرت الحرب الدائرة في السودان على العديد من الجوانب الخدمية من تعليم وصحة وغيرها، وكان للعملية التعليمية الحظ الأسوأ في هذا الجانب، ومع استمرارية الحرب توقفت المدارس بالعديد من ولايات السودان مما أثر سلبا على واقع الطلاب سواء بالداخل أو بالخارج مع موجات النزوح واللجوء المستمرة يوما بعد يوم.

وأقرت منظمة اليونيسيف في تقرير نشر العام المنصرم بأن حوالى 17 مليون طفل خارج المدارس، بينهم عالقون في مناطق القتال أو في مناطق توقفت فيها العملية التعليمية، وآخرون اضطروا للفرار داخليا أو خارجيا مع أسرهم. ولم يتمكن سوى نحو 750 ألفاً منهم من الالتحاق بالمدارس.

فكان لابد من الوقوف على القضية والأزمة الحقيقية التي يعاني منها معظم أبناء السودانيين القادمين لجمهورية مصر وعدم مقدرة الكثير منهم الالتحاق بالمدارس السودانية نسبة للظروف الاقتصادية، بجانب إغلاق عدد كبير من المدارس وأوضاع المعلمين والتحديات الكبيرة التي تواجههم في مواصلة التعليم، ودور المراكز المجتمعية الموجودة بجمهورية بمصر، وارتفاع الرسوم الدراسية وعدم تهيئة البئية المدرسية، إذ أن معظم المدارس في شقق سكنية، مع قلة الاجور مما اجبر عددا كبير من المعلمين على ترك العمل في التعليم والالتحاق بالمصانع من اجل توفير حياة كريمة، مع ازدياد اعداد الفاقد التربوى ولجوء الطلاب للعمل، أجرت صحيفة (مداميك) لقاءا مع عدد من المعلمين من مدينة بدر وفيصل وأرض اللواء في مصر.

 تحديات المدارس السودانية قالت المعلمه ليلى جلال الدين من مدرسة إدريس جلال بمدينة بدر بالقاهرة، إن أبرز التحديات الوضعية القانونية للمدارس (التصاديق) وثانيا اللوجستيات مثل المباني والمعامل وجميع مستلزمات التعليم، وعدم استقرار الأسر مثل الانتقال من منطقة إلى أخرى أو العودة للسودان، بالإضافة إلى الحصول على المقررات الدراسية والتقويم الدراسي غير المستقر، والامتحانات وربطها بولاية واحدة في السودان، وبعدها التمويل الكافي لتسيير المدارس. البيئة التعليمية وأكدت ليلى عدم ملاءمة المدارس للعملية التعليمية ومعظمها في شقق غير مهيئة كفصول دراسية، وغياب مساحات الأنشطة التعليمية والتربوية، إضافة لمشكلة الإجلاس، وهناك تفاوت في قيمة الرسوم الدراسية بعض المدارس تتحصل على رسوم معقولة بين 150 إلى 200 دولار للعام الدراسي، ولكن هناك مدارس تصل رسومها إلى 800 دولار، وهذه غير المدارس التي تدرس المنهج البريطاني والأمريكي وتصل رسومها الى 3 الاف دولار للسنة مما تسبب في زيادة اعداد الفاقد التربوي. اغلاق المدارس وأشارت ليلى إلى أن قرار إغلاق المدارس أثر بصورة كبيرة جدا في زيادة الفاقد التربوي، وترك كثير من الطلاب في سن الدراسة المقاعد واتجهوا الى العمل بمن فيهم أطفال، وإضافة للحالة النفسية السيئة التي ترتبت على اغلاق المدارس.

 وأكدت ضرورة أن يكون لمفوضية اللاجئين دور واضح في توفير التعليم لجميع الاطفال الذين هم في سن المدرسة من لحظة التسجيل وقبل الحصول على البطاقة، وان يكون للسفارة السودانية دور في حل مشكلة اغلاق المدارس وحصولها علي التصاديق، ويجب على الحكومة السودانية ان تولي قضية تعليم اللاجئين في مصر عناية خاصة نسبة للعدد الكبير من اللاجئين، كما يجب ان يكون هناك دور للمنظمات الطوعية من خلال وسائلها في الضغط وتوفير الخيارات الممكنة، وتسليط الاعلام الضوء على هذه القضية ويمكن ان يتم بشراكات مع الاعلام المصري.

 واقع المعلمين وأكدت المعلمة ليلى جلال الدين ضيق فرص العمل وخاصة بعد اغلاق المدارس وغياب فرص التدريب المستمر اضافة الى ضعف الاجور التي بالكاد تكفي للترحيل وهناك بعض المعلمين لم يتمكنوا من ارسال اطفالهم للمدارس لضعف رواتبهم رغم حصولهم على تخفيضات للرسوم الدراسية، ومع توقف العملية التعليمية منذ اندلاع الحرب في معظم انحاء السودان انقطعت الخبرة العملية لكثير من المعلمين والمعلمات. مشاكل العام الدراسي من جانبها أوضحت المعلمة نسرين عبد الواحد لـ(مداميك) ان من اهم الاشكالات للعام الماضي التصاديق والوجود القانوني للمدارس السودانية على الأراضي المصرية، والمباني والبيئة الغير تعليمية لأن معظم المدارس في شقق سكنية، وعدم وجود مساحات للعب والأنشطة الطلابية وعدم وجود معامل ومستلزمات التعليم والأدوات المدرسية كأدوات الرسم والوسائل المساعدة في توصيل المعلومة للطالب، وكذلك عدم توفر الكتب والمقررات الدراسية، والتقويم للعام الدراسي غير الموحد في السودان وغير المستقر.

 وأشارت الى مشكلة التركيز على الجانب الأكاديمي فقط وتجاهل الأنشطة الأخرى التي تساهم في بناء الشخصية القيادية والسوية للطالب، ونبهت الى ان الرسوم الدراسية المرتفعة جدا وتتراوح بين 15 الف جنيه و40 ألف جنيه مصري، أما التعليم الأجنبي بين 3 الاف دولار إلى 5 الاف دولار مما تسبب في عدم قدرة الكثير من الأسر السودانية في إلحاق أبنائهم بالمدارس وزيادة الفاقد التربوي، وترك الكثير من الطلاب مقاعد الدراسة واتجهوا للعمل كعمال في المحال التجارية والعمل لساعات تصل الى 12 ساعة مقابل أجر زهيد، في محاولة لمساعدة أهلهم وذويهم لتوفير المتطلبات الأساسية للعيش، واصبح التعليم كماليات وحلم بعيد المنال في ظل واقع مرير. واكدت ضرورة ان تساهم المنظمات الدولية والأممية في توفير مدارس مجتمعية بأسعار رمزية حتى تتمكن كل شرائح المجتمع من الالتحاق بها وأخذ نصيبها من التعليم، وشددت ان على السفارة السودانية ادراج المدارس الموجودة تحت مدرسة الصداقة وتحديد الرسوم الدراسية، واشارت الى مستوى الطلبة المتدني الذين نسوا القراءة والكتابة لتوقفهم لمدة طويلة قرابة العامين، وأكدت أهمية الصحافة لعكس هموم المواطن السوداني المغلوب على أمره.

 نشأة المدارس المجتمعية ومن جهتها قالت المعلمة بمدارس التميز النموذجية سوسن احمد، إنها عملت بمنظمة تضامن المجتمعية بأرض اللواء كمتطوعة في العام ٢٠١٢، وفي العام ٢٠١٤ فتحت يونيسيف مساحة صديقة للاطفال بالجمعية للرسم والموسيقى، وتطور الامر واصبحت المساحة الصديقة فصلين صف اول وثاني ابتدائي، وبعدها زادت الفصول حتى وصلت الصف الثامن بمساعدة مفوضية اللاجئين التي كانت تدفع اجور المعلمين. وتطورت المدرسة وتمت اضافة الثانوي وتعاونت المنظمات مع المدرسة مثل منظمة هيئة الاغاثة الكاثولكية واصبحت تساهم مع اولياء الامور في الرسوم الدراسية بدفع جزء من مصاريف الدراسة حتى اليوم، مبينة انه ايضا توجد منظمة سانت اندروز وهي ايضا تدفع 80% من المصاريف الدراسية بعد دراسات لحالة الاسر الاكثر حوجة، بجانب منظمات اخرى كامجاد اليمن وبلقيس وغيرها من المنظمات التي تدعم الاجئين بطرق مختلفة، وهذا قبل الحرب. وأضافت انه بعد الحرب اصبحت التحديات كبيرة وعدد المستهدفين اكبر وواجهت المدارس المجتمعية تحديات لانه بجانب المدرسة تقوم المنظمات بتوزيع المساعدات العينية من بطاطين شتوية وغذاء في المركز مما ادى لاحداث اشكالات مع السكان، لان المركز او المدرسة يكون جزء من مبنى سكني وبالتالي كثرة الاعداد أدت الى شكاوي من السكان، وتابعت: “نحن واجهنا مثل هذا التحدي مما ادى الى انتقالنا وتغيير مقر المدرسه واخترنا مبنى اخر يخلو من السكان”.

دور المدارس المجتمعية واكدت سوسن انها ساهمت في تعليم شريحة كبيرة من الطلاب والفاقد التربوي، وحلم الاسر بالسفر السريع الى اوروبا وبالتالي وبفضل التوعية والورش اقتنع الاهل بادخال الاطفال المدارس، واكدت ان التحديات موجودة لان بعض الأسر تصرف منحة المدارس ولا يحضرون الابناء الى المدرسة، ايضا من الورش والتوعية تم توجيه الامهات لمراكز الصحة لتطعيم الاطفال حديثي الولادة بالتعاون مع وزارة الصحة المصرية بأهمية التطعيم ولا يطلب من الامهات اي اوراق ثبوتية او اقامة لتسهيل عملية التطعيم. واشارت الى انه من التحديات ايضا الاعداد المتزايدة للطلاب،ووجود المدارس داخل الاحياء السكنية وفي المباني السكنية. عدد المدارس المجتمعية واوضحت سوسن ان عدد المدارس المجتمعية كان حوالي٥٠ مدرسة قبل الحرب والان تجاوز ٤٥٠ مدرسة، ونوهت الى ان اغلاق المدارس طال الكل بما فيها المدارس المجتمعية، وتم فتحها بعد تفاهمات مع لجنة وادارة الحي، واكدت ارتفاع الرسوم الدراسية مقارنة مع الوضع الراهن للاسر بعد الحرب والمنظمات تدعم شريحة قليلة من الاسر من حملة الكروت الصفراء فقط، وبالتالي حتى الان توجد اسر اطفالها لا يستطيعون الحضور للمدرسة لعدم امكانية دفع الرسوم. أجور المعلمين واوضحت المعلمة ان اجور المعلمين ايضا قليلة وبعض المدارس لاتوفيهم حقوقهم وان المنظمات التي تدعم المدارس المجتمعية هي فقط من تعلن عن المدارس ودورها المجتمعي في خدمة اللاجئين.

ورأت ان المدارس المجتمعية حققت نجاحا ملموسا والدليل يوجد طلبة جامعيين وخريجين من مدرستهم في كليات مختلفة في الجامعات، فضلا عن تعيين عدد كبير من المتطوعين ومساعدتهم في وظائف في المنظمات التي تدعم اللاجئين. بدوره قال المعلم عبد الحليم جابر بمدرسة عائشة بخيت بفيصل العشرين، انه ليس لديه احصاءات كافية بعدد المدارس التي تم اغلاقها بجمهورية مصر، ولكن اغلب المدارس التي تم اغلاقها غير مطابقة للمعايير والمقاييس ولم يأتيها الاذن من السلطات المصرية، واعتبر ان قرار الاغلاق قرار سيادي بجمهورية مصر في المقام الاول وهو يرجع لتقديرات سياسية وللقيادة المصرية. وأضاف ان اغلب المدارس السودانية الان تعمل تحت مسمى المراكز الا وهي (السناتر) المصرية وهي تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية فهي مخصصة للمصريين كدروس عصر وحصص تقوية، وأغلب هذه المدارس استغلت هذه المراكز ولجأت اليها لانها لا تتبع لوزارة التربية والتعليم خوفا من الاغلاق، على الاقل في مساعدة الطلاب على مواكبة التعليم، منوها الى انه منذ فترة الحرب والنزوح والضغوطات غالبية الطلاب الموجودين بالمراكز (ماسحين) كل الدروس ويقولون انهم سنتين لم يدرسوا، وهذا الشىء يؤثر لأن اغلب المدارس رأت ان تجد حلولا ثانية ولا تستسلم لقرار الاغلاق، فلجأت للمراكز لتقليل الفاقد التربوى وتقليل الفجوة التعليمية التي حدثت لان سنتين من عمر الطلاب لم يدرسوا، والطالب مثلا في مرحلة المتوسط عمريا يكون قد فات المرحلة وكذلك الثانوي والابتدائي وهذا الشيء يقلل الرغبة لدى الطالب في الدراسة ويزيد نسبة الامية وجمعيها تؤثر في واقع البلد. توفير حياة كريمة وحول واقع المعلمين اشار الى ان اغلب المعلمين اصبحوا متنافسين في ايجاد فرص عمل في المراكز وغالبية المدارس مغلقة لم تفتح حتى الان، ومدارس تنتظر قرار السلطات، وعدد المعلمين اصبح اكبر من حوجة المدارس، وبالتالي لجأ معلمون للعمل بالمصانع وهذا يؤثر عند العودة للوطن يكون المعلم نفسيا غير مهيأ ان يدرس ثانية بسبب انه توقف فترة سنة او سنتين لم يدرس، وايضا تؤثر عليه اكاديميا، اما فيما يخص الواقع المعاش بالنسبة للمعلمين فأغلب الرواتب تتراوح بين ٦ الاف جنيه مصري الى ٨ الاف، وهذه لا يكفي، ولكن العديد من المعلمين العاملين استطاعوا توفير حياة كريمة لاسرهم على الاقل ابسط مقومات الحياة لابنائهم. وذكر المعلم عبد الحليم انه بالنسبة للسفارة السودانية بمصر لا تستطيع عمل شيء، لان قرار اغلاق المدارس سيادي وفي المرة السابقة صدقت لمدارس معينة ونشرت قائمة بهذه المدارس، وحاليا المدارس التي تم التصديق لها تعمل ولكن لا تستطيع استيعاب كل المعلمين ولا جميع الطلاب باعتبار المقاعد محدودة، وبالتالي سيكون هناك فائض من الطلاب بالمدارس.

مداميك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.