الطريقة المثلى لوصول المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين في ظل الصراع المسلح
بقلم .. عميد ركن (م)) خالد الطيب ابراهيم
مقدمة
١. يتسبب الصراع المسلح بين الأطراف المتنازعة في دمار و خراب كبيرين يكون ضحيته المدنيون نتيجة لفقد الأنفس و الممتلكات و تدمير البنية التحتية و يكونون في حاجة عاجلة للأمن و الحماية و الغذاء و الرعاية الطبية و الإيواء(المساعدات الإنسانية ) كأسبقية أولى لهم.
٢. إن عملية تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين في ظل الصراع تعتبر من أكثر الامور تعقيدا ما لم يتم التخطيط و التنسيق بشكل سليم من جملة إجراءات أخرى ينبغي مراعاتها .
٣. الدبلوماسي الأمريكي الشهير جون برندر فاست في كتابه (Frontline Diplomacy Humantarian Aid and Conflict in Africa) و ترجمته دبلوماسية الخط الأمامي. العون الإنساني و الصراع في افريقيا. تناول تناول ثلاثة مواضيع . وهي كيف يمكن للمساعدات الإنسانية إن تؤدي إلى تفاقم الصراع ؟ ثانيا كيفية تقليل الآثار السالبة في عملية تقديم المساعدات الإنسانية إلى أدنى حد ممكن؟ ثالثا. كيف يمكن لعملية تقديم المساعدات الإنسانية أن تسهم في منع الصراع و تحقيق بناء السلام.
٤. هنالك عدة عوامل لعمليات المساعدات الإنسانية إذا ما تمت مراعاتها يمكن أن تحد من الآثار السلبية الناجمة عن الصراع و تتمثل في ؛ تقييم الاحتياجات بشكل صحيح و مستقل ، دراسة خيارات وسائل وصول المساعدات الإنسانية للجهات المستهدفة ، المرونة و الدقة في أشكال المساعدات الإنسانية المقدمة، دراسة الآثار المؤثرة في عملية تقديم المساعدات الإنسانية و طرق التوزيع ، تقنين التكاليف اي توحيد قياساتها و تقليل السلب و النهب و زيادة التضخم ، الالتزام برصد و تقييم مستقلين ، دمج عمليتي الرصد و الدفاع عن حقوق الإنسان و القدرة علي صناعة القرارات التي تحققها ، التنسيق في جميع المستويات ، وصول المساعدات الإنسانية لكل الاطراف المدنية المتضررة من النزاع في مناطق سيطرة الأطراف المتنازعة دون تمييز أو محاربته، الوضع في الاعتبار أولوية المشاركة و بناء القدرات ما بين السلطات و المؤسسات المدنية.
الغرض
٥. الطريقة المثلي لوصول المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين في ظل الصراع.
الدراسة
٦. عادة ما تدعو المنظمات الدولية و الإقليمية و الوطنية و البرامج ذات الصلة لتلبية الاحتياجات الإنسانية للمتضررين لأسباب من صنع الإنسان والحروب و النزاعات المسلحة و غيرها أو لأسباب طبيعية كالفيضانات و الحرائق و البراكين و الانزلاقات الأرضية و الزلازل و الأعاصير.
٧. لمواجهة تلك الكوارث و النكبات يتطلب ذلك تقديم المساعدات الإنسانية بطريقة عاجلة للمتضررين بعمل مشترك و تنسيق فعال فيما بين المنظمات و الوكالات و البرامج المتخصصة و على سبيل المثال لا الحصر UNHCR مكتب الأمم المتحدة للمفوض السامي لشؤون اللاجئين و OCHA مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية و ممثل الامين العام الأمم المتحدة لشؤون النازحين و WFP برنامج الغذاء العالمي و اليونسكو و الصليب الأحمر و غيرها منوط بها تقديم المساعدات في مجال الأمن و الحماية و الرعاية الصحية و الإيواء و التعليم و العودة الطوعية .
٨. عدم التخطيط السليم و قصر النظر في تقديم المساعدات الإنسانية يفضي الي عواقب وخيمة لا يحمد عقباها بتغذيتها الصراع و ذهابها إلى جهات غير مستهدفة. لذلك ينبغي على مخططي تقديم المساعدات الإنسانية الدراسة المستفيضة في هذا الشأن و يجب التركيز على المواد المقدمة و ليس الربح و الخسارة و على مخططي المشاريع على مستوي المجتمعات المحلية الأخذ في الاعتبار أن أنماط التنمية غير المتكافئة و الاختلال في مدخلات المساعدات الإنسانية قد يؤدي إلى زيادة حدة التوترات في المجتمعات المحلية نتيجة للتباينات المختلفة و من جانب آخر إن التخطيط السيء يصعب عودة المدنيين الذين فروا من ويلات الحرب و ذلك لعدم وجود بنية تحتية . أيضا ينبغي أن يكون للجهات المانحة خطة عمل قصيرة و متوسطة الأجل فيما يختص بالتمويل و استكشاف و دراسة آليات ترقية و تحسين العمل بالإضافة لوجود موظفين مناسبين ذوي خبرة في المجال ما امكن . لذلك الهدف من التخطيط هو استقرار المدنيين لأن عدم استقرار المدنيين يجعل المساعدات الإنسانية المقدمة لهم عرضة للتلاعب من قبل الأطراف المتصارعة ، على المنظمات و البرامج المتخصصة توسيع نطاق تبادل المعلومات حتى يتم التأكد من التقييم السليم و يتطلب ذلك آلية رصد و تحليل للمعلومات من أجل الانذار المبكر للإفادة عن تحركات المدنيين و للحصول على المعلومات الدقيقة تكون من تقارير الوكالات و التي تعتبر المصدر الرئيسي للمعلومات لصانع السياسات و المانحين في المناطق المتأثرة بالصراع المسلح على سبيل المثال كيفية جمع الأموال و توزيع الموارد . إن دقة المعلومات من شأنها مساعدة المتضررين من المدنيين في الحصول على المساعدات الإنسانية بالطرق المثلى و علاوة على ذلك إعاقة أولئك الذين يزيدون من حجم الكارثة أو يستفيدون منها.
٩. إن تضخيم عدد السكان بصورة مبالغ فيها نتيجة للتقييم الضعيف أو غير الكفء من الحيل التي يتم استخدامها أثناء الصراع. و من الأهمية جمع المعلومات على نحو سليم و لاسيما في حالة تجمع المدنيين في مجموعات كبيرة كاللاجئين و النازحين لأن عدم التقييم بشكل صحيح و مستقل يجعل المساعدات الإنسانية تتسبب في تغذية الصراع بظهورها في أسواق غير رسمية تقدم فيها السلع المسروقة فلذلك ينبغي فهم هذه القنوات الاقتصادية و التجارية ؛ أين تذهب هذه السلع؟ و من يبيعها؟ و من يحصل على الأموال؟ و من هو المستفيد؟ و السؤال الملح الذي يجب الإجابة عليه . ما هو سبب تعرض السكان المدنيين للخطر ؟ أي ما هي العوامل المتعددة التي تؤدي إلى الفجوة الغذائية الحادة ؟ و تتسبب في التدهور السريع في صحة الناس في مجتمع ما ؟ و عليه يجب أن تعالج التقديرات مجمل الاحتياجات الملحة و المشاكل الإنسانية. علاوة على ذلك . السؤال ليس لماذا يموت المدنيون؟ بل أيضا كيفية بقائهم على قيد الحياة؟.
١٠. يمكن أن يلعب التفاوض الجيد دورا مهما في وصول المساعدات إلى الأماكن المستهدفة عبر وسائل عسكرية كل في منطقة سيطرته أو الوسائل المختلفة الاخرى بما فيها الدواب و الحمل بالأيدي. و قطعا يكون التفاوض بمشاركة الأطراف المتصارعة كل في مناطق سيطرته للقيام بحماية النازحين و اللاجئين و المدنيين الذين لم يغادروا مساكنهم و حماية قوافل الإغاثة و الأصول كما ينبغي أن يكون لهم دور في توزيع المساعدات الإنسانية. و عند التفاوض تبرز بشكل ملحوظ درجة الاستجابة الدولية و الإقليمية و الوطنية فيما يتعلق بالمسائل القانونية و آليات التطبيق و كثيرا ما تطبق المبادئ و الاتفاقيات المتاحة كحالات الطواريء المعقدة و على الرغم من أن حالة اللاجئين و النازحين متساوية لاسيما في المناطق التي تقسم فيها الجماعات وفق الهوية أو الجهة و مع ذلك عادة ما يعاملون معاملة مختلفة من حيث المساعدة و الحماية بسبب التمييز الذي يفرضه التفويض..
١١. تأتي أهمية المرونة عندما يتم تقديم الأدوات اللازمة للوكالات المتخصصة و البرامج و لتذليل العقبات اللوجستية. في كثير من الأحيان الأطعمة المطبوخة لم تكن جاذبة لعمليات النهب و السلب بالإضافة للأغذية المخلوطة ذات القيمة الغذائية العالية و لكنها أقل جاذبية من حيث الطعم.
ينبغي أن تكون حصص العامة بدلا من كونها أغذية طارئة للاطفال المصابين بسوء التغذية الحاد و أيضا تكون لها خاصية التخزين لفترات زمنية طويلة .اما فيما يتعلق بالاستجابة المناسبة للاحتياجات الأساسية من قبل الإغاثة الخارجية ينبغي أن تكون مدعومة من المجتمع المحلي ما أمكن مع الوضع في الاعتبار وضع آليات للرعاية الاجتماعية و ديناميكية التبادل في المجتمع و يجب توفير الحماية لسبل كسب العيش لمنع الانهيار التدهور و مساعدة المجتمعات على التكيف مع الأزمات المتكررة.
١٢. شفافية التسجيل و الرصد و التوزيع و إعلام المستهدفين بحقوقهم يضمن وصول المساعدات بالطرق المثالية . من جانب آخر على الوكالات المتخصصة و البرامج ذات الصلة أن تعي أنماط التهميش السياسي و الاجتماعي و ذلك من أجل تطوير هياكل التوزيع و مساعدتها في توصيل المساعدات الإنسانية لأشد الناس تأثرا بالصراع من حيث الهوية أو الجهة أو الاثنية . إن دقة التسجيل و توثيق الأعداد فيما يتعلق بالمدنيين المتضررين و مواقع سكنهم و وضعهم الاجتماعي يحدد وحدة التوزيع و معايير الأهلية للوكالات و البرامج المتخصصة . علاوة على ذلك المراقبة و الإدارة بشكل مستقل أمر في غاية الأهمية لتجنب الاتهامات بالتمييز لجهة دون أخرى و من الأهمية بمكان أن يكون للمرأة دور رائد في عمليات التوزيع في المخيمات.
١٣. و لتقليل عملية التضخم و الغش فيما يتعلق بالعاملين في مجال المساعدات الإنسانية ينبغي إنشاء وحدة قياس للتكاليف و يتم ذلك بالتوقيع على العقود لتوحيد المدفوعات لفئات معينة مثل الموظفين المحليين و حراس الأمن و أمناء المخازن و غيرهم من الموظفين المحليين ،كذلك تنظيم السكن و النقل و تحديد الرواتب..
١٤. و لمنع عمليات التسريب و النهب يتطلب ذلك رصدا دقيقاً و مستقلاً و تقييماً مستمراً للبرامج ما يعد عنصرا أساسيا لوصول المساعدات الإنسانية للجهات المستهدفة و على الوكالات المتخصصة و البرامج المانحة أن تفكر في استراتيجيات رصد و تقييم بالإجابة على الأسئلة التالية ؛ هل يمكن توحيد المناهج حتى يتم تقليل العبء الإداري على المنظمات؟ ما هي الحاجة للرصد و استخدام نتائجه بفعالية لتعزيز المزيد من المساءلة ؟ هل يمكن إجراء تقييم مشترك و متبادل؟ . ان القدرة على الإجابة على هذه الأسئلة يمكن الوكالات من مواجهة التحديات المعقدة و تقديم المساعدات الإنسانية بشكل افضل.
١٥.يجب الدمج ما بين حقوق الإنسان و بناء القدرات لذلك يتعين توظيف العاملين ذوي الخبرة و تدريب الموظفين المحليين و وضع آليات للبلاغات لتجنب الأخطاء التي قد تؤدي إلى تفاقم النزاعات المحلية و إساءة استخدام الحقوق . أيضا يجب أن تكون هنالك آلية الانذار المبكر بالمجاعة و مراقبة حقوق الإنسان و رصد حالات العودة القسرية و الهجمات على الأسواق، كل ذلك بمشاركة مدربين محليين . من جانب آخر هنالك حالة من اللبس و الارتباك فيما يختص بترتيب الأولويات ما بين الحاجة إلى الحماية أو تقديم المساعدات الغذائية مما يتطلب توسيع نطاق قانون الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام و تعريف الدفاع عن النفس ليشمل الدفاع عن المواقع و المجموعات المحلية و أن يكون هنالك دور غير مباشر للوكالات المانحة في رصد حقوق الإنسان و الاستغلال غير مباشر للعمالة و فساد الأسواق في ظل العنف المحتمل فضلا عن استخدام الغذاء كسلاح في الحرب.. و على سبيل المثال توفير الحماية الفاعلة للاطفال في حالة الطوارئ على أساس اتفاقية حقوق الإنسان و القانون الإنساني الدولي و مبادئه . كما يجب على العاملين في مجال تقديم المساعدات الإنسانية ان يدافعوا عن حقوق الإنسان و ذلك بتثقيفهم مسبقا و إن يوقفوا الانتهاكات بصورة منهجية و تنفيذ ذلك على أكمل جه . و حفز التنسيق بين السلطات المحلية و الجهات الخارجية و توفير التدريب ووسائل التعليم.
١٦.حتي تصل المساعدات الإنسانية إلى الجهات المستهدفة يجب على الوكالات و البرامج المتخصصة أن تعزز من عمليات التنسيق و وسائل الاتصال مع مراعاة التسلسل القيادي في اتخاذ القرار . على سبيل المثال أن يكون التنسيق بين وكالات الأمم المتحدة لحماية الطفل و حقوق الإنسان و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي و برنامج الغذاء العالمي.لذلك فإن المجال الرئيسي الذي يتطلب التنسيق هو جمع المعلومات . خلاصة القول أن يكون التنسيق في جميع المستويات مع الجهات ذات الصلة.
١٧. إن التعاون و المشاركة بين السلطات و المؤسسات المدنية و بناء القدرات يعتبر أمراً ذا أولوية قصوى . لذلك فإن المشاركة و بناء القدرات أهم عنصرين من عناصر استراتيجية وصول المساعدات الإنسانية للجهات المستهدفة و منع نهبها و تسريبها .و تشكل المشاركة و بناء القدرات مفاهيم أساسية لمعظم الوكالات الساعية لتفعيل المبادئ الإنسانية. و يمكن تعريف المشاركة على إنها نشاط يدعو إلى مبادئ محددة مع السلطات. أما فيما يختص ببناء القدرات تنص المبادئ الدولية على أن المساعدات الإنسانية ينبغي أن تعزز الاستجابة المحلية و لا تحل محلها ((المساعدات الإنسانية يجب أن تعزز جهود المنظمات لتخفيف المعاناة و الاعتماد على الذات )) و تخلص مدونة الصليب الأحمر و المنظمات ذات الصلة إلى قواعد السلوك التي تعزز المساعدات الإنسانية. ولتحقيق استجابة محلية مثالية ينبغي وضع هياكل محلية لدعم الإنتاج مثل ( الإرشاد الزراعي . الائتمان . العمل من أجل الغذاء في المشاريع التقليدية . بناء القدرات . الرعاية الصحية الأولية. التعليم و التدريب . تعزيز التجارة الداخلية).
التوصيات
١٨. للحد من الآثار السلبية الناجمة عن النزاع و وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين في مناطق النزاع بطرق مثالية ينبغي اتباع الاتي:
أولا. التخطيط الدقيق و التحليل العميق و تنوع مصادر المعلومات.
ثانيا. تقييم الاحتياجات بشكل صحيح و مستقل.
ثالثا. دراسة خيارات وسائل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين.
رابعا. المرونة و الدقة في أشكال تقديم المساعدات الإنسانية.
خامسا. دراسة آثار التوزيع الاستهداف.
سادسا. تقنين التكاليف اي توحيد قياسها وتقليل عمليات النهب و محاربة زيادة التضخم.
سابعا. الالتزام بعمليتي رصد و تقييم مستقلتين .
ثامنا. دمج عمليتي الرصد و الدفاع عن حقوق الإنسان و القدرة على بناء الأهداف التي تحققها.
تاسعا. التنسيق مع جميع المستويات.
عاشرا. وصول المساعدات الإنسانية لكل السكان في مناطق الأطراف المتنازعة بدون تمييز.
أحد عشر. المشاركة في بناء القدرات بين السلطات و المؤسسات المدنية أولوية قصوى.