كانت نذر هذه الحرب واضحة لمن ألقى السمع وهو شهيد.. وهي كما أسلفنا في مقال سابق، بدأت مباشرة بعد اجتماع اللجنة الأمنية برئاسة الرئيس المخلوع عمر البشير يوم 9 أبريل/2019.
فبمجرد خروج حميدتي من الاجتماع مغاضباً، غيّر الكيزان خطتهم 180 درجة، واستخدموا ذكاءهم الخبيث باللجوء إلى الخطة (ب)، وهي الانحناء للعاصفة، وانحياز القوات المسلحة للثورة صورياً، كما فعلت في أكتوبر 64 وأبريل 85، وقد مكروا مكراً كبارا، بتقديم ضباط من الصف الثاني والثالث، ليعرقلوا مسار الثورة، ثم القضاء على الدعم السريع وقائده الذي تمرد عليهم، وانحاز للثورة منذ يوم 24/ ديسمبر/2018، بخطابه الشهير في الدخينات، وقد استدعاه الرئيس المخلوع للتصدي للثوار، وإجهاض الثورة، فقال له:(مخالف سيادتك).
الكيزان والخطة (ب)
من هنا بدأ التخطيط المبكر للقضاء المبرم على الدعم السريع، ولولا عناية الله لتمكنوا من ذلك، لأن الدعم السريع حينها كان ضعيفاً، ولا يستطيع مجابهة القوات المسلحة وكتائب ظلها، ودفاعها الشعبي وحاضنتها الطبيعية(الدولة العميقة).. لكن الله(فهّمها) حميدتي، فتماهى مع البرهان، ووعده بالسمع والطاعة، والدفاع عنه إذا حاول الجيش الانقضاض عليه. فالبرهان قرر أن يحقق حلم أبيه بحكمه للسودان. وقد (تمسكن حميدتي حتى تمكن)، وضاعف قواته بمتوالية هندسية، عدداً وعدةً وعتاداً.. ويبدو أن حميدتي بن البادية، وبذكائه الفطري، قضى حوائجه بالكتمان و(سردب) لكل المكائد والإهانات التي ظل يطلقها ضباط القوات المسلحة وحواضنهم في الأحزاب السياسية حتى بلغ(مأمنه).
لم يتوقف الكيزان عن الكيد لقوات الدعم السريع وقائدها، فقد بدأ التحرش بها وتوريطها في بعض المشاهد دون علم قادتها. وأول الورطات كان انتداب حوالي 450 ضابطاً اسلامياً من الجيش للدعم السريع ليفتوا في عضده، وينقلوا أدق أسراره لقياداتهم المدنية والعسكرية، منهم اللواء صادق سيد الذي قاد كتيبة صالحة التي تتبع للدعم السريع، وشارك بها في فض اعتصام القيادة في 3/يونيو/2019م، دون علم قيادة الدعم السريع، حتى أن حميدتي استشاط غضباً واعتقل هذا الضابط المتآمر، ليطلق سراحه الفلول مع نشوب حرب أبريل. لكنهم نجحوا في شيطنة الدعم السريع، ودقوا عطر منشم بينه وبين شباب الثورة المغرر بهم، حتى أنهم غيروا هتاف(حميدتي الضكران الخوف الكيزان، إلى العسكر للثكنات والجنجويد ينحل، ومافي مليشيا بتحكم دولة)، وكان يجب أن يضعوا أيديهم في يد حميدتي والدعم السريع، إذ ليس هنالك سلطة بدون قوة تحميها. لقد حكم الجيش خمسين ونيفاً من السنين العجاف، لأن القوة والسلاح كانا بيده وحده. ولولا الدعم السريع لتمكن الكيزان من استعادة حكمهم دون عناء يذكر.
ثم توالت الانقلابات العسكرية ضد الثورة، وأول أهدافها إبعاد الدعم السريع من المشهد العسكري والسياسي(انقلاب الفريق هاشم عبد المطلب، ثم اللواء بكراوي وود ابراهيم) واعتصام الموز، ثم انقلاب الكيزان في 25 أكتوبر/2021، والمستهدف الأول هو الدعم السريع. لقد فهم حميدتي الدرس فسابق الزمن ليعد العدة للمواجهة إذا قرر الكيزان اشعال حرب وجودية ضده، وقد كان.
هل حميدتي مؤيد من الله
هذا البدوي النقي(حميدتي) يبدو انه مؤيد من قبل الله سبحانه وتعالى، ليخلص السودان من عصابة الولاية الشمالية التي حكمت البلاد بالحديد والنار عبر جيشها، لسبع وستين سنة، منها ثلاثون سنة حولت خلالها الحركة الاسلامية الجيش إلى مليشيا تأتمر بأمرها. ولكن ما بال الشعب السوداني الذي ظل يقاوم الدكتاتوريات العسكرية والمتأسلمة من الاستقلال حتى نشوب الحرب، لتتنزل عليه شآبيب الحب وثآليل المودة إلى جلاديه التاريخيين الذين أذاقوه مر القتل والتهجير والسجن والتعذيب وضنك المعيشة؟
هل خاف حميدتي من المجتمع الدولي؟
كان باستطاعة الدعم السريع اجتياح الخرطوم في الأشهر الثلاثة الأولى من بداية الحرب، والتمدد في الولايات، ولكن أمراً ما لا نفهمه بدا في الأفق. فقد ظل المؤيدون للدعم السريع يستغربون تلكؤ قيادة الدعم السريع في حسم الحرب بعد سقوط معظم واهم المواقع العسكرية للجيش، ومحاصرة بعضها الآخر. بعض الناس رجموا بالغيب وقالوا: إن الوساطة الأمريكية السعودية طلبت من الدعم السريع عدم اسقاط القيادة العامة والمهندسين ووادي سيدنا، حتى لا يقال أن الجيش السوداني بكل تاريخه قد سقط في أول امتحان حقيقي له، وانهزم هزيمة ساحقة، وأن تكون هذه المواقع لحفظ ماء وجه الجيش، و(روّاب) يمكن أن يفاوض به.
آخرون ذهبوا أبعد من ذلك، وقالوا: إن قائد قوات الدعم السريع الجنرال حميدتي، يخشى المجتمع الدولي، ويخاف من عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولذلك ظل متردداً في التقدم الحاسم، وعدم مهاجمة الشمالية الكبرى(مكمن الداء)، بالرغم من قدرته على ذلك، حتى ان كثيراً من المحاربين الأشاوس بدأوا يتذمرون من البقاء دون قتال، وهم كانوا تواقين للنصر او الشهادة، فهم مثل قادتهم يحاربون لاجل تحرير البلاد من عصابة دولة 56، وتحقيق شعارات ثورة ديسمبر(حرية ـ سلام وعدالة ـ مدنية خيار الشعب). فالثوار في كل العالم يقدمون أرواحهم رخيصة لقاء تحقيق أهدافهم العليا،
وللحرية الحمراء باب … بكل يد مضرجة يدق
فكيف يموت شبابنا في ساحات المعارك، وقاداتهم يخشون المحكمة الجنائية، وعقوبات الخواجات..
على حميدتي أن ينزع الألجمة عن خيله المسومة، لتجتاح جميع مدن السودان)قنقر، والتبقى تبقى، سجن سجن، غرامة غرامة، شهادة شهادة). أنا لا افهم من يفكر لقادة الدعم السريع، لكن (كبارنا قالوا: الطوّل بجيبن الهوّل)، فكلما مر يوم، كان ذلك لمصلحة جيش الفلول وخصماً على تحالف الهامش..
ليعلم من يفكرون للدعم السريع، أن مصر وإيران وتركيا، وآخرين من دونهم لا نعلمهم، الله يعلمهم، يقاتلون إلى صفوف دولة 56. قل اننا انتصرنا عليهم في النهاية، ألا تكون التكلفة باهظة في الأنفس والثمرات؟!!
ماذا يريد حميدتي، أكثر من أن يخلده التاريخ، ويصفه بأنه محرر الشعوب السودانية من استعمار دولة الجلابة، وباني الجمهورية الثانية بعد 70 سنة من الاستعمار الوطني؟ ماذا يريد أكثر من هذا؟
وعلى سعادة الأمير المؤسس، أن يدع تسونامي الدعم السريع تجتاح وتكنس أمامها بقايا دولة 56 بكيزانها وجلابيها وفلنقاياتها، و(التمطر حصو).
المجتمع الدولي يحترم الأقوياء، وفقط
من قال لحميدتي أن المجتمع الدولي يتربص به الدوائر، ويسعى لمعاقبته إن هو سيطر على السودان كاملاً غير منقوص، وسلمه لشعبه ليسوس نفسه؟ إن الولايات المتحدة ومجلس أمنها الدولي يرفعون عصيهم للجبناء، فإذا وجدوهم أقوياء، تراجعوا وفتحوا لهم الجزرة. فهم يريدون تحقيق مصالحهم في السودان، وهو حق مشروع لهم؟
ماذا يفعل المستشارون السياسيون لقائد الدعم السريع، والمخططون الاستراتيجيون الآن؟!!
لو كنت مكان حميدتي، لبعثت بوفودي:
ـــ إلى مصر؛ العدو التاريخي لبلادنا، أضمن لها أمنها القومي، وأمنها المائي، وتجارتها في المحاصيل والموارد السودانية بأسس جديدة تضمن مصالحها، وفق مصالح بلادنا، فهي الآن تتآمر وتتماهى مع عدوها(الاسلاميون)، لأنهم ربائبها وضامنين لمصالحها(ببلاش)، وهي تخشى إن انتصر الدعم السريع، أو جاءت حكومة (وطنية) ديمقراطية، أن يُقلب لها ظهر المجن، وتدخل في(فتيل).
ـــ إلى دول الخليج؛ أمدهم بمقاتلين أولي بأس شديد، وقيم اسلامية لا تضاهى، يحفظوا لهم أمنهم، ويدافعوا عنهم، ويحرسوا لهم بنياتهم التحتية والاقتصادية، وأمنحهم المشاريع الزراعية اوالصناعية العملاقة، وموانئ على ساحل البحر الأحمر، نقتسم مداخيلها معهم، لتؤول إلينا في نهاية العقود.
ـــ إلى تركيا؛ وكر الأفاعي، أضمن لها ما تحتاجه من استثمارات زراعية وصناعية وكهربائية بشروطنا الوطنية.
ـــ إلى دول الاتحاد الأوروبي؛ أضمن لهم محاربة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، والمخدرات والاتجار بالبشر، فهم لا يريدون أكثر من هذا.
إلى الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل؛ أضمن لهم الاستثمار في البترول، ومحاربة الارهاب والتطرف الديني في ظل الدولة المدنية الحديثة، والاستثمارات الزراعية و الصناعات المتقدمة.
إلى الصين وروسيا؛ أضمن لهم نصيبهم في إعادة إعمار السودان، وتشييد البنى التحتية، والاستثمارات العملاقة، فأرض وإمكانات السودان تستوعب أحلام جميع دول العالم وتفيض.
اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد.