(في مدني يا أخواني ..).. فمن تعجل في يومين، فلا إثم عليه
بدون زعل: عبدالحفيظ مريود
الأسبوع الماضي، لدى لقائه وزيرة الصناعة المكلفة، وجه الفريق الركن/مهندس إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة الانتقالي، معالي الوزيرة ب “تفكيك ونقل المصانع من الخرطوم إلى الولايات الآمنة”. الخبر لطيف، إيجابي ومربك، في ذات الوقت. إذ يوحى للمتلقي أنه بإمكان وزيرة الصناعة المكلفة، حفظها الله ورعاها، أن تقوم بتشكيل لجان هندسية وفنية، تتفق مع شركات نقل ووو، ومن ثم تتم عملية تفكيك وترحيل المصانع الكبرى من الخرطوم إلى المناطق الآمنة. لكن سعادة الفريق الركن/مهندس إبراهيم جابر، والوزيرة – رعاها الله وسدد خطاها – يعلمان جيدا أنهما – شخصيا – لا يستطيعان العودة إلى الخرطوم، وأخذ الجوازات والسلسل الذهبي للوزيرة، الذي نسيت أخذه، حين خرجا من الخرطوم خائفين مذعورين. فلمن – إذن – يبيعان التوجيه والخبر؟
شايف كيف؟
والأسبوع الجاري: سنار تفرض الطوارئ وحظر التجوال. تفعل القضارف الشيئ نفسه..تلحق بهما ولاية نهر النيل وتأمر بإغلاق الجسور، تزامنا مع الاحتفالات المهيبة في مدينة ود مدنى، عاصمة الجزيرة، مدينة الفن والجمال، بالانتصار على القوات المتمردة التي غامرت بنقل الحرب إلى منطقة لا قبل لها بها…مفهوم أن الطوارئ وحظر التجوال إجراءات احترازية، ضرورات أمنية، لقطع الطريق أمام كل من تسول له نفسه ب” المغامرة”. لكنها – من جهة أخرى – تشير إلى شكوك بالغة، تهيب، انعدام ثقة. قبضت مدني وقتلت – القوات الأمنية فيها – بالطبع – أبرياء لا ذنب لهم إلا الانتماء إلى كردفان ودارفور، إنفاذا لتوجيهات الوالي. ويلاحظ ياسر العديرقاوى أن هناك تطورا فى “الخطاب الكيزانى”.. إذ تحرك من تشاد، النيجر، مالي، إلى كردفان ودارفور. لكن السيد والى الجزيرة يعرف، كما يعرف الكثيرون أن القوات التى دخلت ولاية الجزيرة ينتمي أغلبها للجزيرة. القائدان كيكل والبيشي جزيراويان صرفان، لا علاقة لهما بكردفان ودارفور..ثمة الآلاف من أبناء الجزيرة ضمن قوات الدعم السريع، وهذا ليس موضوعنا. موضوعنا هو احتفالات النصر: في أي معركة انتصر الجيش على قوات الدعم السريع، في مدني، وأي مواجهة جرت هناك؟
هل هاجمت قوات الدعم السريع مقار الجيش، فتصدى لها، دحرها، أم حدث العكس: هاجم الجيش تجمعات ومراكز الدعامة في الجزيرة فأفناها، كبدها الخسائر، أسر مئات منها، ورجع محتفلا؟
الواقع أن شيئا من ذلك لم يجر…
هل الاحتفالات على شاكلة توجيهات الفريق الركن/مهندس، إبراهيم جابر، إلى وزيرة الصناعة المكلفة؟
حسنا…
لنمض خطوة إلى الأمام:
المقار، المواقع، الحاميات التي سيطر عليها الدعم السريع منذ بدء الحرب، قبل أكثر من 8 شهور، كانت ثمة نغمة وحيدة يجرى عزفها: انسحبت القوات من المواقع، تكتيكيا، لتقوم باستعادتها وفقا لخطة لا يفهمها العامة من أمثالنا. وحين تهاوت حاميات دارفور واحدة تلو أخرى، باستثناء الفاشر، كان سقوطا عقب مواجهات وحصار لأشهر. ثم لا يجد من بقى من جيش شيئا إلا أن يفر بجلده…وقد جرى تصوير الأمر بأن الدعم السريع عجز عن الخرطوم فحول الحرب إلى دارفور. حتى أن لحن الانفصال بدأ يطغى..
لكن الثابت – كما قلت فى كتابة سابقة – أن الانفصال ليس واردا ضمن خيارات الدعم السريع، ولا سبق أن طرحته أى حركة من حركات دارفور سابقا…وبدا واضحا لكل متابع أن الحرب ستنتقل إلى الوسط، الشمال، الشرق…ليس هناك من مكان آمن فى السودان. ستتطاول شهورا أخرى، ربما أعواما. قبل أن تضع أوزارها محققة السودان المختلف، الجديد، الحديث، أيا كانت التسمية..
قيادات الجيش تعرف ذلك…وتعرف أن الوضع الجغرافي للحرب فى حالة تمدد. شكلت ولايات نهر النيل، الجزيرة وكسلا لجنة لفرض “الأمن” في سهل البطانة، عقب وصول كيكل إلى أم شديدة. دخلت قوات إلى أبو قوته، مما يعنى أن الجزيرة والوسط هي الوجهة القادمة للحرب. لكنها تكابر. تعتمد على بيع الوهم…ومن ضمنه الاحتفال بانتصارات في معارك لم تجر، بعد.
شايف كيف؟
كثيرون يقولون إن مدني تشكل نقطة تحول فى مسار الحرب. ربما…
لكن الثابت هو: على الجميع العمل على تقديم ما هو مطلوب لإعادة بناء السودان…وذلك يتطلب – بدءا – إعادة صياغة السؤال، الأسئلة…بدلا عن بيع الأوهام للسابلة.