الارتباط التاريخي بين قوات الدعم السريع و بين جهاز أمن البشير/قوش، مكن الأخيرة من استلاف الكثير من الطرائق الإعلامية الماكرة التي كان يصممها و ينتهجها الجهاز في مواجهة (العدو) الافتراضي لحكومة البشير.
إحدى هذه الطرائق هي أن تقتل عدوك بالتطبيل له !!
كان في جهاز أمن البشير إدارة تسمى (إدارة العمليات الخاصة) يوكل إليها ابتكار أساليب غير تقليدية، محبوكة بذكاء شيطاني في النكاية بالعدو الافتراضي ، و تلك كانت الإدارة الوحيدة في الجهاز ، المعفاة من جميع القيم الأخلاقية و الدينية . حتى إن أصحاب “الأيدي المتوضئة” لم يجدوا في أنفسهم حرجا من إنشاء وحدة ضمن تلك الإدارة، مختصة بعمليات”الاغتصاب” وفي داخل الوحدة ذاتها – في ما يشير إليه اعتراف أحد قتلة الشهيد أحمد الخير – شعبة مختصة باغتصاب الرجال حصرا!!!.. و من بين تلك العمليات (الخاصة) ما ينتج عنه تصفية الضحية جسديا أو معنويا. و منها ما يستخدم لابتزاز الضحية (بعد استدراجه باستغلال نقاط ضعفه) فيصبح رهينة للجهاز ينفذ ما يطلب منه في مقابل صيانة أسراره الفاضحة. (بالمناسبة، أين قتلة الشهيد أحمد الخير اليوم؟! هل تم تهريبهم خارج البلاد بعد أن تم الحكم عليهم بالإعدام؟! أخشى أن يكون من تم إعدامه هو القاضي الذي حكم عليهم بالإعدام) ..
لنعد إلى موضوعنا..
لقوات الدعم السريع أيضا، وحدة عملياتها الخاصة في ما أظن ، على الأقل في الجانب الإعلامي، و تمكنت من النيل من الجيش، في كثير من الوقائع ، دون أن تشعر قيادة الجيش أو تنتبه إلى خسائرها الإعلامية!!!
فأنت ترى في منصات التواصل الاجتماعي ، مثلا ، من يكيل السباب للدعم السريع ، و يندد بالفظائع التي يرتكبها ، النهب ، الاغتصاب ، احتلال المنازل.. إلخ. ثم يكيل المدح للقوات المسلحة الباسلة و قادتها الأشاوس حماة الوطن .. يسمع قادة الجيش مثل هذا (اللايفاتي) الغيور ، فيطربون. ثم يسمعونه يبشر مستمعيه بأن القوات المسلحة الباسلة قد تمكنت من إبادة كتيبة للمتمردين (في المكان الفلاني ، يوم كذا ، الساعة كذا ) و تم تنظيف الموقع و الآن تسيطر عليه”قواتنا المسلحة”!!.. فيحسب قادة الجيش ذلك الكذب إعلاما دعائيا في مصلحة الجيش..
لكن يفاجأ المستمعون ، في اليوم التالي ، بجنود من الدعم السريع ، يقفون أمام الكاميرا في ذات الموقع الذي ذكره اللايفاتي المحسوب على الجيش ، يسخرون من أكاذيب إعلام “مليشيا الفلول” قائلين : ها نحن نقف حيث قال إعلامهم الكذوب إنهم أبادونا و سيطروا على الموقع.
بل إن هنالك ثلاثة من مشاهير النشطاء لا يتورعون عن التحدث باسم الجيش، بل و يطالبونه بأن”يفعل كذا و كذا” و الغريب أن بعض طلباتهم تلك يتم تنفيذها حرفيا، ما يشي بأنهم نافذون لدى الجيش (ضرب كوبري شمبات نموذجا).. هؤلاء الثلاثة بالذات تعودوا أن يقسموا (بعزة الله و جلاله) أن فلانا – من قادة الدعم السريع – قد تم قتله في المكان الفلاني.. ليتبين لاحقا أن هذا الفلان يهاجم موقعا للجيش فيحتله!!!.. أحدهم سمعته لا يمل من القسم المغلظ أن عبدالرحيم دقلو قد تم (جغمه) ، حوالي سبع مرات، كلما تبين أن قسمه راح هباء، سكت أياما ثم عاد يقسم أن ذات الشخص قد تم قتله، و خلال هذه الأيمان المغلظة السبعة ، التي يتبين كل مرة كذبها، لم يعتذر و لا مرة لمتابعيه أن معلوماته كانت خاطئة و أنه يستغفر الله عن قسمه الكاذب، بل يعود فيقسم من جديد!!!..
عشرات الوقائع الشبيهة طالعتها منذ بدأت الحرب الشيطانية ، تمكنت فيها قوات الدعم السريع من (اختراق) الإعلام المساند للجيش، و توظيف إعلاميين، بوعي منهم أو بغير وعي، يشتمونها و يمتدحون الجيش ، ثم يكذبون باسم الجيش ، فيبتلع قادته الطعم. و لعل من أوضح تلك الفخاخ الإعلامية كذبة تلك الناشطة التي زعمت – على لسان الجيش – أن ضابطا عظيما أسيرا لدى الدعم السريع ، ما هو إلا (عامل نظافة) بمطاحن ويتا للدقيق!!!!!
و طبعا لم ينف إعلام الجيش هذه الإهانة المقصودة و الموجعة لضابط عظيم و أسرته و زملائه.
و ما تزال تتوالى الأكاذيب و حالات (الإنكار) المرضي مرة بلسان الناطق الرسمي للجيش و مرات على ألسن ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي الزاعمين أنهم يدعمون الجيش ، دون أن تدرك قيادة الجيش أو قيادة إعلامه أن حالات الإنكار هذه سرعان ما يتم افتضاحها بالحقائق الصلبة على الأرض ، الأمر الذي يدمر ثقة الشعب في جيشه ، بل و ثقة الجنود أنفسهم في قيادتهم.. !!
لماذا لا يخرج الناطق الرسمي للجيش فيقول للناس: إن الذين يقولون إننا حررنا مباني الإذاعة و التلفزيون كاذبون ، و إن منطقة جبل أولياء قد سقطت بالفعل في أيدي الدعم السريع.. و كل من يزعم غير ذلك هو كاذب، و لن نسمح لأحد أن يكذب باسم القوات المسلحة ؟؟..
أولى و أكرم للجيش أن يطمئن الناس على صدقه ، بدلا عن أن يطمئنهم على انتصارات كاذبة ، لن يجني منها إلا فقدان ثقة الناس و سخرياتهم.
المفسدون في الأرض:-
هؤلاء الذين يهتفون ملء حناجرهم المشروخة: (أو ترق كل الدماء) ، لا يعلمون أن الله تعالى ما اصطفى آدم عليه السلام ولا استخلفه ، إلا استبدالا لقوم كانوا (يسفكون الدماء و يفسدون في الأرض) و لمهمة جديدة ، هي (إعمار ألأرض) .. و ما كان سفك الدماء ممدوحا في رسالة من رسالات السماء، بل ما بعث الله الرسل إلا لإنهاء سفك الدماء، الذي هو أعظم الخطايا، قبل أن يباشر الرسل مهمتهم الخاتمة: إصلاح الفطرة و إعادتها إلى (ضبط المصنع) سوية تعرف المعروف و تنكر المنكر.
لم يرخص الله تعالى لعبد من عباده القتال إلا دفاعا عن حياته، و حتى في تلك الحال ، حذره من أن (يعتدي) أي يتعدى حد الانتصاف: ( و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم و اتقوا الله و اعلموا أن الله مع المتقين) . .