د.محمد أحمد ضوينا يكتب..التصالح المجتمعي شعار (ارفعه معي)
د . محمد أحمد ضوينا أحمد يكتب .. التصالح المجتمعي شعارٌ (ارفعه معي)
هذه دعوة صريحة لتصالح المجتمع السوداني ، ونعني بذلك أن يسامحَ المجتمعُ السودانيُ بعضَه بعضاً ويعيشَ في وئام ويتربىَّ أطفالُنا في سلام ، وأن نقدِّمَ التسامحَ منهجاً تربوياً يصنعُ التوازنَ في الحياةِ ، بعيداً عن العصبية بأنواعها: العرقيةِ والثقافيةِ والسياسيةِ ، مجافياً للعنصرية البغيضة ، ومنازعاً للطغيانِ والأنانية ، مرتبطاً بواقعِ السوداني الأصيل قدوةً للعالمين ، معروفاً بالعفو، منفتحاً على الآخرين بلا تكلف، ناصراً لمن به ضعف ، كافلاً لليتيم من الكفاف ، جامعاً لخصال الخير والمروءة ، محافظاً على الأصالة ، ناظراً للغايات الكبرى ، بانياً لوطنه نافعاً لمجتمعه ، واصلاً للرحم ، ثابتاً في الأصول والمبادئ، متنازلاً عن حقه للغير دون شرفهِ ووطنه ، مراعياً لكرامة الآخرين ، مُضحياً من أجلِ السودانيين ، مبشِّراً بأصلاحِ ذات البين، معايشاً للتنوعِ واختلافات الفكر والدين، ملتمساً التسامح عند الزلات ، ومبادراً بالصفح حتى الممات.
لا نعني التصالحَ مع الحكومات فإنها بين انتقاليةٍ وذاهبةٍ وهالكات ، تحت الدوران الزمني تقذفها المجرات ، بل نعني الشعوب فهي باقيةُ ما بقيتِ الحياةُ ، ونعني الوطن فهو باقٍ ما لم تُطوى الأرضُ وتُرفعُ السجلات .
والمجتمعُ المتسامحُ مع بعضِه يصنع الحكوماتِ الرشيدة ، فإذا صلُحت الأمةُ أصلَحَت حُكامَها وإذا فسدتِ الأمةُ خرج من أصلابِها حُكامٌ فاسدون
ولمعرفة أسبابِ الدعوةِ إلى التصالحِ المجتمعي انظروا معي إلى لوحة البؤس هذه التي أفسدت القلوب وخربتِ البيوت ووضعت وطناً في التابوت.
صراعات أحزاب بالية يتنازعون ويكيدون ليس للوطن بل لأجل المناصب
قبائلٌ تَأكلُ بعضَها يَقْتُلُون ويُقْتَلُون ضحايا وأشلاء أطفالٌ ونساء لحفنة تراب .
سودانيٌّ يقتلُ سودانياً بسبب هاتفٍ أومال .
والمحزن شبابٌ ضميرهم مات يعتدون على الفتيات يخطفون حقائبهن.
إمرأة تستغيث وآ سوداناه وأبواه ولا أحدَ يجيبُ إلا دعاةُ الاغتصاب.
عائلة فقيرة تتضرع جوعاً ومرضاً تنادي خبزاً أو دواءً فيجيبها السراب
عنصريون يصنعون الغلًّ بين الألوان والأنساب وكلنا لآدم وآدم من تراب.
إنفصاليون يقسِّمون الجغرافيا ليدمروا البلاد ويصنعون الاحتراب
علمانيون يفرضون منهجاً غريباً ويستبدلون ديننا بشريعة الغاب
تجارٌ أعماهم الجشع وهمُّهم الربح والثراء والفقراء تحت الخراب
ناشطون يصنفون المجتمع حسب الانتماء ويهمشون باقي الأحزاب
ثوارٌ كانوا على المتاريس تعرضوا للاقصاء ينتظرون الحساب
مواطنون يعادون العسكر وآخرون برعوا في تحريض الشباب
جهات تسعى للفتنة بين القوات النظامية ليبيعوا الوطن للأجانب
انتشرت بيننا مصطلحات غريبة وتدخلات خارجية ووجوه أجنبية لها مخالب
أليست هذه اللوحة البائسة تكفينا لأن نجنحَ للتسامح ونتصالح مع أنفسنا ومع بعضنا كأمة واحدة ورثت وطن الجدود ونرسم لوحة الجمال حين كان السوداني عزيزاً في وطنه شامخاً في كل مكان ، محباً لأهله وشعبه يحيا بإحسان، حراً في بلده لا أحدَ يسأله عن قبيلته ولا حزبه ، حين نغني مع العطبراوي وننشد أغنية الغرباوية ونرقص مع النوبة ونهز بسيوف الشرق وكانت قلوبنا بيضاء كقطن الجزيرة وحميتنا حارة كدماء الأنقسنا ونيلنا يجري بالخير كأهل النيل الأبيض ، وأرخنا التاريخ الذي بدأ من سنار
ألسنا من استقبل جون قرنق بعد حرب الأربعين عاماً ، ألسنا من احتشد في الساحة الخضراء للاحتفاء بحركات الكفاح ، أليس منا ذلك البدوي الذي فقد جميع أولاده في قتال قبلي ثم عفا لأجل الصلح بين القبيلتين .
لماذا لا نعيد للوطن سيرته الأولى ، لماذا لا نتسامح ، اذا كان الخالق الله يسامح العاصين والمنافقين اذا تابوا ، فلماذا لا نتسامح نحن المخلوقين .
ماقيمة الحياة بلا محبة وما قيمة شعب بدون تراضي في أرض المحنه أرض السمر والنيل.
أين أهلُ الحكمةِ في السودان أين صناعُ الإصلاح رعاةُ العقد والحل
أين كبارُ القومِ وأصحابُ اللِّحى والعمائمِ أين أنتم من هذا الوحل
أين الإداراتُ الأهلية ألمْ تدعو لوحدةِ القبائلِ وتواصلِ الأهل
أين الطرق الصوفية أليست رآياتكم خضراء وبيضاء أم مزاميرٌ وطبل.
أين الجماعاتُ السلفيةُ بأقسامها ومنابرها أليست دعوة التوحيد هي الأصل.
أين المسيحيون العُبَّاد أليس في دينكم التسامحُ والتصالحُ هو الوصل
أين العسكرُ شرطةٌ وجيشٌ وأمنٌ إلى متى تنظرون إلى هذا الحال
أين أساتذة الجامعات ألم تعلمونا في المدرجات أن الصلح خيرٌ يترجل.
أين المعلمون ألم تعلِّموا أولادنا أن يكتبوا قيمةَ التسامحِ في الفصل
أين حفظةُ القرآن والأئمةُ والدعاةُ أليس في دعواتكم إصلاحُ التشتتِ والخلل.
أيها الناس يا أهلَ السودان أما آن لهذا الشعبِ ان يرتاح
ألا تكفيهِ آلامٌ وأسقامٌ وفقرٌ وصراعٌ وقتالٌ ودماءٌ وجراح
منذ انطلاقةِ الثورة هل عاشَ مجتمعُنا يوماً واحداً بلا نواح
فإن كنتم تحبون اللهَ ورسولهَ والوطنَ فعليكم بالتصالحِ والاصلاح
وعيشوا عباد اللهِ إخواناً متحابين في الوطن الكبير بكل سماح
وإلا فسيأتي يومٌ تلتحفون الثرى وتُحبسون في سجن كبيرٍ بلا مفتاح…….
الجمعة ١١ نوفمبر ٢٠٢٢م