شريف عبدالشافع ادريس يكتب..تنامي خطاب الكراهية خطر على وحدة البلاد
شريف عبدالشافع ادريس يكتب…تنامي خطاب الكراهية خطر على وحدة البلاد
ما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعى من تسجيلات وتصريحات وخطابات لا تبشر بخير و سوف تورد البلاد مورد الهلاك وحينئذ يصبح الكل خاسر .
كل منا يفتخر بأنه سوداني والعالم من حولنا يتغزل فى الصفات التى يتحلى بها الشعب السودانى والمواطن السودانى بوجه خاص اينما حل ومهما كانت صفته أو وظيفته .
لا شك انه ما كان لنا أن نكتسب مثل هذه الصفات لولا تنوعنا واختلافنا الأثنى والثقافى واختلاف ألسنتنا وألواننا المكتسب من قبائلنا المتعددة والمنتشرة على طول وعرض البلاد.
لا خلاف فى أن هذه التركيبة الربانية الفريدة هى مصدر فخرنا واعتزازنا وانتمائنا لهذا البلد الطيب فالكل وجد نفسه جزءا من هذا النسيج الطيب وسارت الأجيال وحافظت على هذا الإرث الفطرى جيلا بعد جيل منذ تأسيس الدولة السودانية بمساحة تقدر بمليون ميل تقريبا وقد سطر الشعراء من أجلها الأشعار ولم يستثنوا جزءا من اجزائها (كل اجزائها لنا وطن …اذ نباهى به ونفتتن) وكما تغنى بها المغنون من الثغر شرقا ورهيد البردى غربا والباوقة شمالا وتفاعل الشعب طربا مع هذه المعانى السامية وانتسب بعض السودانيين لمدن البلاد المختلفة ولكن نادرا ما تجد من ينتسب إلى قبيلته وقد تربى معظم الأجيال على الوطنية وحتى المناهج الدراسية كانت تحمل فى طياتها معانى الوحدة (نحن روحان حللنا بدنا .. منقو قل لا عاش من يفصلنا)
رغم ترامى أطراف البلاد الا أن السمة الغالبة كانت الهجرة والتجوال على طول وعرض البلاد بحثا عن سبل العيش او اداءا لمهام وظيفيه في مرفق كالسكك الحديدية أو البريد والبرق أو المدارس أو غيرها من المهن والوظائف.
فكل هؤلاء العاملين كانوا رسلا وسفراء داخل البلاد وقد طاب لبعضهم المقام فاستقروا فى المناطق التى عملوا بها فحافظت معظم مدن البلاد على هذه اللونية ولكن مع مرور الزمان و الأزمات السياسية فقدنا جزءا عزيزا من البلاد فذهب الجنوب مأسوفا عليه وكادت أن تذهب جهات اخرى أيضآ بسبب لعنة السياسة . ولكن اسوأ ما فى الأمر أن يتم اقحام القبيلة والقبلية فى المسائل السياسية بغرض الكسب الرخيص ولدق اسفين فى النسيج الاجتماعى لهذا الشعب العظيم .
ان القبيلة و العقيدة واماكن كسب الرزق والهجرة كلها سنن كونية والإيمان بها والتعامل معها و التسليم بها من الثوابت وهي سبب من اسباب القوة والوحدة والتعاون والترابط والسلام اذا احسن التعامل معها.
اما اذا ما اتبعنا الحمية القبلية والتعصب العقدى والجشع والاحتكار فعاقبة ذلك الضعف والتفكك والانانية والانحلال والاحتراب .
فى عالم اليوم ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى وتسلط الإعلام أصبح من السهولة بمكان أن تبث اى مادة خبرية أو بيان أو رسالة ولا يستغرق منك ذلك سوى بضع ثوان ليصل إلى الاف البشر ويتضاعف العدد بمتوالية هندسية ليصل الخبر لملايين البشر وعلى اوسع نطاق وبنفس القدر تتضاعف الحسنات متى ما كانت المادة إيجابية وتتضاعف السيئات اذا كآنت المادة سلبية .
فقد استغل البعض منصات التواصل الاجتماعى لبث الشائعات واذكاء نيران القبلية والجهوية ودق طبول الحرب لزيادة العبء فوق كاهل بلادنا المثقلة بالجراحات التى لم تندمل بعد .
والادهى والأمر تعاطى البعض لهذه الشائعات والاسهام في نشرها لتعميق جذور الازمة.
ان تعالي خطاب القبلية والاستقواء بها ينذر بكارثة لا تبقى ولا تذر وان من يتحدثون بإسم قبائلهم لا يمثلون الا انفسهم
وقد ساعدت الدولة فى تنامى هذه الظاهرة يوم أن نصبت لهم الخيام أمام القصر وقد كتبت اسماء القبائل فى شعارات وعلقت على الخيام .
لم يعد انسان اليوم يكترث لقبيلته كثيرا وخاصة المتمدنين منهم لذلك تجدهم أقل تفاعلا مع القبلية ولكن قد تستغل القبيلة فى المجتمعات الريفية عبر اداراتهم التقليدية لقلة الوعى في تلك المجتمعات.
ولذلك نوجه رسالة للذين يستغلون هؤلاء البسطاء لتحقيق مآربهم ان يكفوا عن مثل هذه الممارسات لانها لا تجدى فتيلا.
ورسالة اخرى ابعثها للشعب عامة واقول لهم ان كل الحكومات والانظمة الى زوال ولكن ستبقى القبائل ما دامت السماوات والأرض ولناخذ العبر والمواعظ من دولة رواندا التى شهدت أفظع الحروبات العرقية فى العصر الحديث وفى النهاية لم تستطع قبيلة إفناء الأخرى رغم بشاعة الحرب وقتها ولكن اليوم لا يجرؤ احد فى روندا مجرد السؤال عن قبيلة الاخر فقد اداروا ظهورهم عن تلكم الأيام الخالية ونظروا للمستقبل فأين هم اليوم ؟وأين نحن ؟
ورسالة اخيرة اوجهها للذين يبثون خطابات العنصرية والكراهية والوعيد والترهيب ان يعلموا ان الله هو الجبار ذو القوة المتين فأتركوا هذا الشعب المغلوب على امره والمهموم بتدبير قوت اطفاله …دعوه ليستريح قليلا فقد انهكه التعب ومل صراعاتكم ويئس من وعودكم الجوفاء .