عبد المنعم سليمان يكتب: لاهاي تُسقِط قناع «إخوانَ» السودان

 

لاهاي تُسقِط قناع «إخوانَ» السودان

 

عبد المنعم سليمان

 

بأغلبية ساحقة، أسدلت محكمة العدل الدولية، اليوم الاثنين، الستار عن دعوى حكومة الأمر الواقع القائمة في شرق السودان، التي يسيطر عليها العسكر ومن خلفهم جماعة الإخوان (الكيزان)، ضد دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، حيث رفضت الدعوى الاستعراضية، وشطبتها من أجندة أعمالها، وطوت ملفها مرةً وإلى الأبد، مستندةً في ذلك إلى عدم اختصاصها القضائي في مثل هذه الدعاوى.
بطبيعة الحال، كان الجميع، بمن فيهم عامة الناس في البلدين الشقيقين، على يقينٍ تام ببطلان هذه القضية، وأنّ الأمر برمّته لا يعدو كونه محض ابتزاز رخيص وإلهاء سياسي للشعب السوداني، وصرف أنظاره عمّا ترتكبه الحركة الإسلامية وقيادة الجيش من جرائم مروّعة في حقه، والبحث عن مشجبٍ خارجي لتعليقها عليه.
هذه الخطوة الفاشلة التي أقدمت عليها حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، ما هي إلا محاولة بائسة ويائسة لتشتيت انتباه السودانيين المُكتوين بنيران الحرب التي أشعلتها جماعة «الإخوان» بوساطة تنظيمها العسكري داخل الجيش، عمّا اقترفته من فظائع وجرائم ضد الإنسانية، يندى لها الجبين وتستنكرها الفطرة السليمة.
لقد نبّه فقهاء قانونيون سلطة الأمر الواقع «الإخوانية» في بورتسودان إلى أنه لا يمكنها التلاعب بالقانون الدولي، ومن ثمّ فالأجدر بها ألا تُريق ما تبقّى من ماء وجهها، وألا تهدر أموال الشعب السوداني في عبثها ولهوها الطفولي غير البريء، وفي قضايا لا هدف لها سوى الدعاية السياسية، التي ستخسرها أيضاً. لكنها، كعادتها، «دقّت يداً بيد»، وقررت إكمال «فقرتها» في مسرح العبث، لتحصد سخرية «الجمهور»، وتُقابل بالرفض من قبل «لجنة التحكيم»، وتَجرّ على نفسها العار، ويُسدل عليها الستار.
لا أحد يساوره شك أو ريبة في أنّ الذين اعتقلوا الشعب السوداني داخل الرقعة الجغرافية التي نصّبوا أنفسهم حكّاماً عليها من بورتسودان، ليسوا مؤهّلين أخلاقياً للعب دور الضحية، فبينهم مجرمو حرب، ومدانون بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، ومطلوبون لدى المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن وجود جماعات «جهادية» إرهابية مسلّحة تقطع الرقاب، وتبقر البطون، وتلوك الأكباد، وتمثّل بالجثامين البشرية، وتنفّذ عمليات إعدام خارج القانون، وتنهب مقدرات وثروات الشعب.
دعونا – أيها السادة – من محكمة العدل الدولية، التي تضمّ جهابذة من فقهاء وعلماء القانون الدولي، فمَن من عامة الشعب السوداني يصدّق أنّ لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة علاقة بما حدث لإثنية (المساليت) في مدينة الجنينة بإقليم دارفور؟ إنها البديهيات.
والبديهيات نفسها تكشف لنا بوضوح أنّ من مارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري بحق هذه الإثنية (المساليت) هي سلطة بورتسودان الراهنة، ممثّلة في قيادة الجيش وجماعة «الإخوان» الإرهابية، هؤلاء الذين ذهبوا ليقاضوا الإمارات في «لاهاي»، هم أنفسهم الذين ما تزال أيديهم ملطّخة بدماء (المساليت)، وما زالوا يحتفظون بالمجرمين، أمثال «الإخواني» الرئيس السابق عمر البشير، المطلوب بمذكرة قبض في لاهاي، ورئيس الحركة الإسلامية «الإخوانية»، الذي يدير الحرب الراهنة، علي أحمد كرتي، ورئيس حزب «المؤتمر الوطني» الإخواني، مجرم الحرب أحمد هارون، الذي أطلق البرهان سراحه من السجن بعد إشعاله حرب 15 أبريل 2023، ليتولّى إدارتها وتسييرها ويطلق عليها «حرب الكرامة».
هؤلاء، ومعهم البرهان وياسر العطا وغيرهم، هم من ارتكبوا كلّ ما يتخيّله المرء، وما لا يُمكن حتى أن يتخيّله، من جرائم وفظائع في إقليم دارفور والسودان قاطبةً. فمن يشكو مَن؟
ولأنّه لا يصحّ إلا الصحيح، فقد احتفى الشعب السوداني – إلا من كان من زمرة الجماعة «الإخوانية» الإرهابية – بقرار محكمة العدل الدولية بطيّ الدعوى وإغلاقها، لأنه كان متيقّناً أنها لا أساس لها من الصحة، وإنما كانت محاولة عابثة وسمجة من الجيش السوداني المختطف لاستغلال المحكمة، أو على الأقل لتشتيت الانتباه عن الجرائم المروّعة التي يرتكبها، والهزائم المتلاحقة التي يتلقاها، وعجزه عن حماية المواطنين، وتقاعسه عن أداء مهامه الأساسية.
نبارك لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، ولرئيسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والحكومة الإماراتية الموقّرة، والشعب الكريم المضياف، وننتهز السانحة لنتقدّم لسموه وحكومته وشعبه، بالشكر العميق على وقفتهم الدائمة، ودعمهم المتواصل الذي لم يتوقّف يوماً عن إغاثة ونُصرة أهلهم في السودان، وأياديهم البيضاء منذ عهد مؤسس الدولة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتغمّده الله بواسع رحمته.
لقد انتهى المشهد، وصدق الحق وزهق الباطل، وبقي العار معلّقاً على صدور من ارتكبوا الجريمة… إنّ الباطل كان زهوقاً.
*
كاتب وصحفي سوداني، رئيس تحرير «نشرة المرصد السوداني للسلام».

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.