سعد الدين الماحي يكتب .. حكومة السلام المرتقبة: حماية المدنيين ومحاربة العدو في الشرق والشمال

حكومة السلام المرتقبة: حماية المدنيين ومحاربة العدو في الشرق والشمال

سعد الدين الماحي

 

على الرغم من فجاجة عبارة المجرم “علي كرتي” التي تفوه بها في اجتماع سري للحركة الإسلامية في إحدى مدن الشمال، من أنه “لا مكان لدارفور في السودان”، وعلى الرغم مما في العبارة من حمولات عنصرية استعلائية يضع قائلها نفسه في مقام الإله، فقد كشفت اللثام عما ينوي الإخوانيون فعله بالسودان خلال ما يستقبل من أعوام، عنوانها “تقسيم المقسم”، وحصر دولة التحالف المصري الإخواني في الشرق والشمال، مع الاستعداد لمعركة طويلة تستهدف السودانيين في الغرب والجنوب.

وهكذا وبعد عامين من حرب كرامتها المزعومة، يتمخض مشروع الحركة الإسلامية البائس، فيلد الجرائم والحروب الأهلية، ويبشر بعهد “الدويلات” و”أمراء الحروب”. مليشيات قبلية ومناطق نفوذ، و”كنتونات” مغلقة في بعض المناطق، يتولى أمر الاقتصاد فيها تجار الحروب. يعيد الإخوانيون البلاد إلى القرون الوسطى، بعد أن استشرفت القرن الواحد والعشرين بثورة شعبية سارت بمناقبها الركبان. ويستثمر إخوان الشياطين في الحطام. “إنه البوم الذي يعجبه ويل الخراب”.

كشفت تسريبات اجتماع إخوان الشياطين انقساماً كبيراً داخل الحركة الإسلامية اعترف فيه “كرتي” بأنه تفوق على الجناح الآخر داخل العصابة بفضل المال المنهوب، والذي وضع يده عليه في وقت مبكر، وكشف عن موقفه المعادي لحركتي جبريل ومناوي، محذراً من أنها ستكون الدعم السريع الجديد، في ظل تنامي ملحوظ لمليشيا “درع السودان” القبلية المدعومة من سلطة بورتسودان، لتقف في وجه تمدد القوات المشتركة، وتتبنى خطاب عنصري يستهدف زرقة دارفور على وجه الخصوص، أحرقت بموجبه المليشيا النساء والأطفال أحياء داخل كنابي الجزيرة، وأعدمت منهم العشرات بعد سلبهم ممتلكاتهم بفرية التعاون مع قوات الدعم السريع.  والقصة في مجملها برميل بارود قابل للاشتعال داخل مناطق سيطرة الإخوان، سواء بتدبير منهم، أو عفوياً حينما يصل الأمر مداه، وتتفجر الأوضاع هكذا دون سابق إنذار. لكن من الصعب أن تستقر الأوضاع في الشرق والشمال، تحت حكم “علي كرتي” ورفاقه.

وعلى الجانب الآخر كشفت تسريبات “اجتماع كرتي” عن ضرورة توحيد السودانيين في غرب وجنوب البلاد بعدأن صار اللعب على المكشوف، وصنفت الحركة الإسلامية مجتمعات كردفان ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق كقوات معادية، واستهدفتهم بالمسيرات والبراميل المتفجرة والاعتقالات، والاعدامات على الهوية، والذبح على الطرقات. قال أحد عناصر المليشيات الموالية للجيش يسأل مواطناً معتقلاً: ” انت من وين؟”، ليجيب المعتقل “من الدبب”، وسرعات ما انهال عليه جميع أفراد القوة بالضرب بالعصي، وصرخ أحدهم “ظهر الحق”! وهم يسوقونه للمذبحة.

وها هو علي كرتي يصدر تعليماته لأهل الغرب والجنوب بالانفصال كيما يخلو له وجه الشرق والشمال، ويقتسم لحم البلاد الممزق مع المستعمر المصري المتعطش للذهب الملوث بدماء السودانيين، ولمال إعادة الإعمار الذي تشرف عليه الحكومة المصرية بصورة مباشرة، ودون تدخل من غلمان بورتسودان، دون أن يجدوا في ذلك عيباً ولا حرج.

الكتابة واضحة على الحائط. وعلى السودانيين في الغرب والجنوب الدفاع عن وجودهم المهدد. إذ لا زالت غرف الحركة الإسلامية الإعلامية المسيطرة على الجيش “المخصي”، تنادي بضرورة إبادتهم وعن بكرة أبيهم صباح مساء دون رادع، وتحرض على قصف نسائهم وأطفالهم وقطعان مواشيهم بالطيران، وتتوعد بإزالتهم من الوجود. وعلى تحالف السودان التأسيسي أن ينهض بحكم مسؤوليته التاريخية لتوحيد البندقية المناهضة لبندقية الحركة الإسلامية، عبر جيش وطني يقوم بواجباته في حماية المواطنين، وأن يعجل بتكوين حكومة السلام التي توفر الخدمات للسودانيين دون تمييز، وأن تعد العدة لحرب طويلة ضد الحركة الإسلامية في الشرق والشمال، تحت راية دستور السودان الانتقالي وميثاق السودان التأسيسي، الذي اعتمد الكفاح المسلح سبيلاً لإعادة تحرير البلاد.

الطريق نحو هزيمة الحركة الإسلامية يبدأ بتوحد السودانيين في الغرب والجنوب تحت مشروع سياسي متوافق عليه وواضح المعالم كميثاق السودان التأسيسي، قادر عن الدفاع عن نفسه بقوة السلاح. كما إن إعلان حكومة السلام والوحدة المرتقبة يمثل خطوة كبيرة في هذا الاتجاه.

أما تأمين المدن من غارات الطيران، وتنظيف جيوب الإخوان في بابنوسة والفاشر والأبيض، والقضاء على متحرك “الصياد” الذي يحاول التوغل باتجاه جنوب كردفان، وإيجاد تواصل جغرافي بين مناطق سيطرة قوات تحالف السودان التأسيسي، فهي من أولويات المرحلة والحرب تتحول – عملياً – لحرب بين دولتين، ما يستدعي الاستعداد لها بما يلزمه الأمر من أسلحة ومعدات عسكرية دفاعية متطورة، وسلاح طيران يصنع الردع مع العدو في الشمال القريب والبعيد على حد سواء. فأول ما يقاس به نجاح هذه الحكومة أو فشلها، هو قدرتها على حماية المدنيين، وتقديم الخدمات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.