الصادق سمل يكتب: ( الجمل ما بشوف عوجة رقبته)
حديث الطبقة السياسية السودانية عن ضرورة عمليات الإصلاح الأمني و العسكري و بناء جيش مهني وطني موحد و إعتبار تعدد الجيوش و المليشيات هو مهدد للأمن القومي لو انه حديث يخرج من غير الطبقة السياسية الحالية و بعقلها السلطوي هذا يمكن ان يعد أمرا مفهوماً و لا تشوبه ادني شائبه و لكن عندما يخرج منها تحديدا و هي ذات الطبقة السلطوية فهذا بالضبط هو ما يمكن ان ينطبق عليه ما درج عليه المثل السوداني ( الجمل ما بشوف عوجة رقبته) لأن علي مقاييس التهديد للامن القومي فإن الطبقة السياسية السودانية علي مستوي المرجعيات و الأُطر النظرية و النشأة و الوجود و الممارسة و التطبيق هي من أكبر مهددات الأمن القومي و الشاهد صفحات التاريخ و التي تُقرأ الان عن مدي تأثير الصراع العقائدي و الايدلوجي الذي اسهمت فيه و كان له دور كبير حتي في إحداث اختلالات هيكلية في وحدة و استقرار السودان و هذا الأمر اثر علي وحدة المجتمع بما في ذلك مؤسساته الشعبية و الرسمية بما فيها مؤسسة الجيش نفسه و أسهم في افراز تباين و عدم توحيد لوجدان السودانين سياسيا عبر تاريخهم لأن التفكير السياسي لم يكن منتوجا مستمداً من الثقافة السودانية و يكفي هنا ان ننظر كيف لأغنية واحدة فقط ( عزة في هواك ) كُتِبت و تغنت في العشرينات من ارثنا الثقافي و كمنتج لها قد وحدت وجدان السودانيين جميعهم و تخطتهم الي ما حولنا من إقليم و أعني هنا ان ما فعلته اغنية في فيما يتعلق بتوحيد وجدان السودانيين عجزت عنه الطبقة السياسية جميعها لسنين عددا …
من المهم و نحن نري ان تعدد الجيوش خطر علي الامن القومي و هذا صحيح فبذات القدر لا بد أن نري ان وجود طبقة سياسية بهذه المعطيات هي ايضا خطر علي الامن القومي .
لذلك عند الحديث عن الاصلاح المؤسسي في بلادنا لا بد من الوضع في الاعتبار أن عقل التأسيس يجب ألاّ يغفل عن هذا الأمر الجوهري و المهم و هو ان درجات تهديد العقل السلطوي العسكري و المدني واحدة و آليات عمل كلا منهما واحدة و ان درجات تهديد الحياة لكليهما علي ذات القدر و الاتجاة و الدرجة لذلك فإن سؤال مثل من يُصْلِح من ؟ يجعل من سؤال كيف لمعطوب ان يصلح معطوبا ؟ فيه الكثير من الوجاهة و المنطق لا أري ان الطبقة السياسية الحالية مؤهلة لأن تقوم بدور إصلاح المؤسسة العسكرية بل و اري اننا نشهد موات هذه الطبقة الان و اعتقد نحن في السودان في حاجة الان اكثر مما مضي الي العمل علي خلق طبقة سياسية جديدة تستمد رؤاها من الموروث الثقافي و القيمي السوداني كما و ان هناك قناعة لدي بأن وصولنا الي مرحلة هذه الحرب الضروس علي الرغم من أن المؤسسة العسكرية لا زالت تخلق في مليشيات تساندها في العمليات العسكرية إلا أن وجود مليشيات بعد الحرب أصبح مهددا لبقاءها كمؤسسة في ذاتها و ان الكثير من العسكريين المهنيين داخلها سيضغطون نحو علي الأقل احتكار وسائل و أدوات العنف داخلها و لا أقول تحيدها عن الطموح السياسي و الاقتصادي و اعتقد ان تقييد هذا الطموح هو فعل رهين و مقرون بقضية التأسيس السياسي المدني الذي ينظر للسياسة بمضامين مغايرة للرؤي السياسية العقدية او الايدلوجية
بذات حاجتنا الي إصلاح المؤسسة العسكرية نحن في حاجة أكبر لبناء طبقة سياسية وفق معايير و متغيرات بنائية و هيكلية لوقف درجات تهديد حياتنا و استقرارنا بما يمكننا من القدرة علي ضبط و حوكمة شروط عمل و بقاء هذه المؤسسات المدنية و العسكرية لأن في الاخير كلاهما يمارس نشاطه علي ارض السودا .