الفقرة المفقودة من (كتاب الموتى)..

علي يس

– – أخوك عبد الحميد القروي
– هكذا عرف نفسه ذلك الشخص الذي بعث إلي برسالة “واتس اب” .قال إنه يعرفني و لهذا يبعث إلي برسالته تلك التي تبدو لي كأكذوبة كبيرة..
– قال عبد الحميد في رسالته:
– كنت مارا عبر طريق الأسفلت الرابط بين جسر شمبات و بين “صينية الأزهري” ، عند بلوغي منتصف طريق الأسفلت سمعت دويا مخيفا ناحية الجسر.. التفت لأرى غبارا و حجارة متطايرة من الجسر المتفجر ، و على بعد أمتار أمامي سقط حجر في حجم كرة القدم ،انفلق فلقتين حال اصطدامه بالأرض ، و من بين فلقتي الحجر طارت لفافة صغيرة من أوراق صفراء مربوطة بإحكام بخيط أسود..
فضضت اللفافة ، كانت مؤلفة من ثلاث ورقات عليها كتابة بقلم “الكوبيا” .. هل تذكر قلم الكوبيا ؟؟
كان مكتوباً عليها ، بخط جميل ، أعلى يمين الصفحة الأولى: التاريخ ١/٧/١٩٦٢
ثم ما يلي:
( أنا أبو الحسن الدهسري ، حدثني نوفل بن بهيج الجزار ، عن عنيتر الطهاطلي ، ثنا دويد بن دويدة ، عن جماعة من أصحابه ، عن الأشتر بن أبي طايوق ، أن رجلاً من الأعراب يدعى عميرا الكذوب ، خرج يبتغي صيداً في سنة شدة ، بعد أن ألح الجوع على عياله ، فأصاب ظبيا فرح به ، و في طريق عودته وجد – تحت شجيرة في الصحراء لبؤة ميتة و بجانبها شبل رضيع ، فقرر أخذ الشبل ليلهو به أطفاله ، ثم إنه أخذ يسقي الشبل من حليب ناقته، و حين كبر قليلاً جعل يطعمه من فضول لحوم ما أصاب من صيد، و أثناء ذلك كله كان يعمل على استئناس الشبل و تدريبه على الطاعة ، فوجد استجابة من الشبل ، حتى إنه كان يصطاد الفئران فيضع أمام الشبل ثلاثة ، ثم يأمره بافتراس أحدها ، فيفعل ، ثم يأمره بتعذيب الثاني و تجريحه دون أن يأكله فيفعل ، ثم يأمره بترك الثالث و شأنه فيستجيب ، فاطمأن إلى أن الشبل أصبح أنيسا لا تخشى فتكاته.
ظل على تلك الحال حتى كبر الشبل و استوى أسدا ، فاصبح يأخذه معه للصيد فيعودان بصيد وفير..
قرر عمير ذات يوم أن يتسلى بالفئران كعادته، فجاء بثلاثة فئران وضعها بين يدي الأسد ثم أمره أن يفترس أحدها و يعذب الثاني و يسرح الثالث ، فأبى الأسد أن يطيع ، غضب عمير الكذوب من عصيان الأسد ، فجاء بسوط و راح يجلد الأسد، حينها غضب الأسد و انقض على عمير فقضم أنفه و انتزع أذنه و كاد يقضي عليه لولا أن عميرا تمكن من الإفلات و انطلق يعدو مرعوبا في الصحراء حتى بلغ حدود بلد مجاور ، فوقف ليسترد أنفاسه ، و عندها فقط تذكر أن الأسد ما يزال في منزله مع امرأته و أطفاله ، فقرأ (الفاتحة) على أرواحهم ، ثم حمد الله حمدا كثيرا على نجاته..
أقام عمير في البلد المجاور عاماً و بضعة أشهر، ثم إنه صادف قافلة قادمة من بلده ، فيها أحد جيرانه ، فخاف أن يسأله عما فعل الأسد بأهل بيته، و لكن الجار بادر بإخباره أن أسرته تعيش في رغد عيش ، يخرج الأسد فيصطاد لها طعامها نهاراً ، ثم يربض عند باب الدار ليلاً ، يحميها من كل معتد دخيل..
قال عبد الحميد القروي في ذيل رسالته: هذا ما وجدته مكتوباً على الورقات الثلاث الصفراوات.

رددت على رسالة عبد الحميد قائلاً:
– – أنت كاذب ، بلا شك عندي.
فرد علي ، مقسما بالذي خلقه أنه لم يكذب و لكنه ، فقط ، ذكر “نصف الحقيقة “…
قلت له: و أين نصف الحقيقة الآخر ؟؟!.
قال: على من يقرأ رسالتي هذه أن يستخلص منها ، بقدر ما آتاه الله من ذكاء ، النصف الآخر للحقيقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.