هروب رموز النظام البائد.. تناقضات داخلية وتعقيدات سياسية..
بورتسودان – اسكاي سودان
بعد مرور (16) شهراً على حرب (15أبريل) المدمرة لا تزال الغالبية من السودانيين تجهل أماكن وجود رموز النظام البائد الذي أطاحت به ثورة ديسمبر المجيدة في 11 أبريل 2019م، ولكن المعلوم للجميع أن معظم رموز نظام الإنقاذ تم التحفظ عليهم بالسجن المركزي (كوبر) وبعد فترة من ذلك تم نقل الرئيس المعزول عمر البشير بقرار طبي إلى المستشفى العسكري (السلاح الطبي) في مدينة أم درمان.
وكان الرئيس المعزول عمر البشير، قد أدين بالسجن بتهمة الفساد وغسل الأموال، وتم ترحيله إلى سجن كوبر في الخرطوم بحري، في حين قطع اندلاع الحرب إجراءات محاكمته ومعاونيه في قضية أخرى تتعلق بتدبير وتنفيذ انقلابه العسكري في عام 1989م ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطياً.
ويذكر أن سجن كوبر يعد من أكبر وأقدم سجون العاصمة الخرطوم، وسمي بذلك نسبة للجنرال الإنجليزي “كوبر” الذي تولى مهام إدارته خلال فترة الاحتلال. وهو السجن المركزي في البلاد، ويقع في مدينة الخرطوم بحري في حي كوبر بالقرب من النيل الأزرق.
وتبلغ مساحة السجن 5 آلاف متر مربع، وتم تصميمه على شكل هندسي يحاكي سجون بريطانيا. ويضم السجن 14 قسماً، من بينها قسم مخصص للمدانين بأحكام إعدام، وثانٍ لأصحاب السوابق، وثالثٌ لذوي الأحكام الطويلة والقصيرة، ورابعٌ للمعتقلين السياسيين.
وبعد اندلاع الحرب في 15 – أبريل أبريل 2023 وبعد أسبوعين من انطلاق الحرب هرب جميع رموز النظام البائد من سجن كوبر ومنذ ذلك الوقت لم يعرف معظم السودانيين أماكن تواجدهم، ويذكر أن البشير وبعض رموز نظامه متهمين بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
وتفيد المتابعات أن البشير وثلاثة من كبار قادة نظامه، وهم نائبه بكري حسن صالح، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، واللواء أحمد الطيب الخنجر، عندما اندلعت الحرب كانوا يقبعون في مستشفى علياء العسكري، تحت سيطرة الجيش داخل (السلاح الطبي) في مدينة أم درمان. وكانت قوات الدعم السريع تفرض عليهم طوقاً محكماً من الحصار.
وبعد نحو أسبوعين من اندلاع الحرب، فر العشرات من قادة النظام المعزول المحتجزين بسجن كوبر المركزي، في منطقة الخرطوم بحري، كما اختفى أي ذكر للمجموعة الموجودة في المستشفى العسكري المحاصر، ومنذ ذلك التاريخ تتضارب الأنباء عن مكان تواجد رموز النظام البائد الفارين من السجون.
وفي السياق أكد مصدر واسع الإطلاع أن الرئيس المخلوع عمر البشير تم تهريبه من مستشفى السلاح الطبي في أم درمان، إلى مكان آمن في شمال السودان، وقال إن عملية تهريبه مع وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، نفذتها قوات خاصة تتبع لتنظيم الحركة الإسلامية دون مشاركة كبيرة من الجيش، الذي اقتصرت مهمته على توفير تأمين محدود للعملية.
ورجح المصدر أن يكون الرجلان قد نقلا مباشرة إلى مدينة بربر في شمال البلاد؛ حيث تردد أن قادة الإسلاميين عقدوا اجتماعاً كبيراً سرياً في المدينة، ترأسه البشير، وأشار إلى أن العملية تمت قبل فترة طويلة، وليس عقب وصول قوات الجيش لمنطقة السلاح الطبي المحاصرة منذ عدة أشهر، وذكر المصدر أن الحالة الصحية والبدنية للرئيس السابق عمر البشير ورفيقه عبد الرحيم محمد حسين، تدهورت بشكل كبير خلال أشهر الاحتجاز.
وأكد المصدر أن تهريب الرجلين تم التخطيط له قبل أشهر، وتم تنفيذه بواسطة قوات خاصة محترفة تابعة للجناح العسكري لتنظيم الإسلاميين، وتحدث المصدر عن تنفيذ عملية إنزال جوي معقدة سبقت تهريب الرجلين، هدفت لإنقاذهما، بإيصال مستلزمات طبية وغذائية عاجلة لهما، إثر تدهور حالتهما الصحية والمعيشية لدرجة الحاجة لملابس بديلة لتلك التي تهرأت على جسديهما، وهو الأمر الذي حفز على تسريع عملية التهريب.
وفي منتصف مارس الماضي كشف محامي الرئيس المعزول؛ عمر البشير عن نقله ومساعديه من السلاح الطبي إلى موقع عسكري جديد بأم درمان، وقال عضو هيئة الدفاع، المحامي؛ محمد الحسن الأمين لـ( سودان تربيون) إن موكليه؛ عمر البشير، عبد الرحيم محمد حسين، بكري حسن صالح، يوسف عبد الفتاح والطيب الخنجر نقلوا من السلاح الطبي بعد نفاد الرعاية الصحية تماماً.
وأفاد الحسن أن البشير ومساعديه نقلوا إلى موقع جديد تحت إشراف سلاح المهندسين وحراسة الاستخبارات العسكرية مشدداً على استمرار غياب الرعاية الطبية لموكليه رغم أن الموقع الجديد أكثر أمنا، وجددت هيئة الدفاع عن البشير ومساعديه مطلبها بضرورة نقلهم إلى مستشفى عسكري أو مدني يتمتع بكامل الخدمات الطبية في أي مكان داخل البلاد وفقاً لما أوصي به التقرير الطبي.
وأوصى تقرير طبي صادر من مستشفى علياء، بنقل الرئيس المعزول عمر البشير إلى مستشفى تتوافر فيه الخدمات الطبية، وكشف التقرير الصادر بتاريخ 22 فبراير الماضي عن مغادرة الطبيب المشرف على وضع البشير وانعدام الخدمات الطبية بعد اشتداد المعارك حول سلاح المهندسين في أم درمان وتعرض مباني مستشفى السلاح الطبي للقصف باستمرار.
وأخلى مدير المستشفى اللواء طبيب عزمي الشيخ الذي وقع على التقرير؛ مسؤوليته تماماً حيال العواقب الناتجة عن مغادرة الكوادر الطبية وفقدان الرعاية الطبية، وأشار التقرير كذلك إلى الوضع الصحي لكل من؛ عبد الرحيم محمد حسين، بكري حسن صالح ويوسف عبد الفتاح حيث يحتاج بعضهم لإجراء عمليات غير متوفرة حاليا بالسلاح الطبي، عطفاً على المراقبة المستمرة.
ولأكثر من 10 أشهر تعرض البشير وعدد من قادة نظامه لحصار مطبق داخل مستشفى السلاح الطبي التابع للجيش الذي كان قصده للاستشفاء من أمراض دهمته داخل السجن حيث كان يحاكم تحت مواد متصلة بالانقلاب على الحكم الديموقراطي في العام 1989م ويوما بعد الآخر ازداد الحصار على المستشفى القريب من سلاح المهندسين حيث شهد محيطه معارك شرسة بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تسعى للسيطرة على المقر العسكري المهم، وتقصفه باستمرار، ولم تخطئ قذائفها مستشفى السلاح الطبي وكذلك سقطت مقذوفات بالقرب من مكان إقامة البشير.
وفي مطلع أغسطس الماضي وجهت النيابة العامة في السودان، بإلقاء القبض على عدد من القيادات السابقة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير الذين هربوا من سجن كوبر المركزي بعد اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع، وكانت مجموعة من قيادات حزب المؤتمر الوطني المحلول بقيادة رئيس الحزب المكلف أحمد محمد هارون أعلنت مغادرة سجن كوبر عقب اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى في أبريل من العام 2023م.
وبحسب أوامر القبض الصادرة من النيابة العامة ولاية كسلا وموجهة لأي رجل شرطة وقتها، تم التوجيه بالقبض على كل من علي عثمان محمد طه النائب الأول الأسبق للرئيس المخلوع، ورئيس حزب المؤتمر الوطني المكلف أحمد محمد هارون، ووالي الخرطوم الأسبق عبد الرحمن أحمد الخضر، ووزير الطاقة والتعدين الأسبق عوض أحمد الجاز، ورئيس البرلمان في العهد السابق الفاتح عز الدين.
وأظهر مقطع فيديو على الفيسبوك قبل أيام المجرم الهارب من العدالة وأحد أبرز عناصر النظام البائد نافع علي نفع في تركيا ويظهر في استقباله في إحدى الصالات ابنه المهندس محمد، ويتهم نافع بأنه واحد من ثلاثة أنشؤوا السجون والمعتقلات التي تسمى بـ(بيوت الأشباح) لتعذيب المعارضين السياسيين، عندما كان مديرا للأمن العام ومديرا للأمن الخارجي.
واتهم القيادي الإسلامي المتشدد نافع علي نافع في الأيام الأولى للانقاذ بمقتل وتصفية الطبيب الشهير علي فضل، تحت التعذيب داخل معتقلات نظام البشير البائد المشهورة بـ(بيوت الأشباح) وهزت جريمة اغتيال الطبيب علي فضل 21 أبريل 1990م الضمير الشعبي في السودان لبشاعتها.
ومارست السلطات الأمنية والأجهزة الطبية العدلية التي شرحت الجثمان وقتها محاولات لإيهام ذوي الطبيب علي فضل بأنه مات متأثراً بمرض عارض، وكشفت إعادة التحقيق عن زيف وعدم صحة التقرير الطبي، وأن الرجل قُتل تحت التعذيب الشديد.
وكان نافع علي نافع، هو أحد قيادات النظام النافذين في الانقلاب، وكان يشغل وقتها منصب مدير جهاز الأمن هو الذي ارتكب ونفذ الجريمة الفظيعة، بقتل الدكتور علي فضل،واتهم نافع بتعذيب زميله في هيئة التدريس بجامعة الخرطوم الدكتور فاروق محمد ابراهيم.
وعُيِّن نافع علي نافع مديرا لجهاز الأمن العام مع قيام ثورة الإنقاذ بسبب خلفيته الدقيقة في المعلومات ورصدها، ثم مديرا لجهاز الأمن الخارجي برتبة لواء، قبل أن يعفى من منصبه بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية عام 1995م كما عُيِّن وزيرا للزراعة والغابات، ثم مستشارا لرئيس الجمهورية للسلام، ثمَّ وزيرا لديوان الحكم الاتحادي، قبل أن يصبح مؤخرا مساعدا لرئيس الجمهورية ونائبا لرئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
وأوقفت السلطات مجموعة من قيادات النظام البائد عقب سقوطه بالثورة الشعبية في ابريل 2019م، ووجهت لهم اتهامات في قضايا مختلفة بعضها متعلق بالانقلاب على السلطة الشرعية في يونيو 1989م، والآخر متعلق بالتحريض على قتل المتظاهرين عقب اندلاع ثورة ديسمبر 2018م، فيما يواجه بعضهم تهماً متعلقة بالفساد المالي والإداري، وبدأت محاكمة البشير و27 متهماً من رموز الإنقاذ في يوليو 2020 باتهامات تدبير انقلاب الإنقاذ وتقويض النظام الدستوري في 30 يونيو 1989م.
وكانت الشرطة السودانية أكدت في وقت سابق أن قادة ورموز نظام الرئيس المعزول، عمر البشير لم يغادروا البلاد، وقال مسؤول رفيع المستوى بالشرطة إنه تم التحفظ عليهم بواسطة السلطة القضائية ومنعهم من السفر لدى سلطات الجوازات.
وأكد المتحدث باسم الشرطة العميد فتح الرحمن التوم في تصريحات صحفية إن السلطات لن تسمح على الإطلاق بمغادرة المنتظرين بالسجون والفارين من مناطق النزاعات إلى خارج السودان، ولكن الواقع يؤكد إنه سبق تهريب نافع تهريب عدد من رموز النظام البائد الفارين من السجون، وأبرز الذين تم ترهيبهم (احمد هارون، وعوض احمد الجاز ، و كمال عبد اللطيف).