في مقامات (الرجولة)

علي يس

الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ربما لم يكن محبوبا لدى الكثيرين من العراقيين أو من العرب ، و يراه البعض قاتلا سفاحا و دكتاتورا مستبدا ، غير أن آخر مواقف الرجل قبل – و إلى حين – صعوده إلى حبل المشنقة ، غير الكثير من مشاعر الناس تجاهه.. فبرغم إنه لبث معتقلا لدى الجيش الأمريكي الغازي و مر بفصول من التحقيق المستفز حتى موعد إعدامه شنقا ، لم يبد الرجل إنكسارا أو جزعا.. لم يعتذر للأمريكان و لم يقدم (اعترافا) على بياض بأنه و من معه كانوا يخططون لكذا و كذا.. لم يستعطف معتقليه و لا القضاة كي يبقوا على حياته.. واجه الاعتقال ثابت الجنان و واجه القضاة ساخرا من عمالتهم للأمريكان ، ثم واجه الموت رجلا..
الشيخ الشهيد محمود محمد طه ، كان بإمكانه النجاة من حبل المشنقة بكلمة واحدة يقولها ، و لكن عظمة الرجل و قوة إيمانه وفرا ما يكفي من سخرية من مشهد عصبة من المنافقين يخيرون رجلا مؤمنا بين (التوبة) و بين الموت!! .. قال لقضاته ، بلسان حاله ، إنهم هم الأحوج إلى التوبة.. ثم صعد درج المشنقة مبتسما ، ابتسامة ما تزال مرتسمة حتى اليوم في مخيلات الأحياء ممن شهدوها.. واجه الموت بيقين كيقين الأنبياء..
كلا الرجلين ، صدام حسين و محمود محمد طه ، لم يتباهيا يوما أمام حشود من البشر بأنهما (أرجل الناس) و لم يتحديا أحدا أن يزعم أنه أرجل منهما..
حين سمعت أنس عمر و محمد علي الجزولي ، مطالع رمضان الماضي ، يخطبان في أعضاء تنظيمهما ، و يتباهيان برجولة و شجاعة (الحركة الإسلامية) التي هما ، بالطبع ، يمثلانها ، و يؤكدان بالأيمان المغلظة أنه لا يوجد في السودان من هو أرجل من حركتهما “المتأسلمة” ، حين سمعت بعض خطب الرجلين الهستيرية التي أعلنا خلالها الحرب على قوى الثورة ، تصورت أن الرجلين لن يتوانيا عن إثبات رجولتهما و صمودهما إن هما امتحنا.. ليس شجاعة و لكن مجرد حياء.. فالرجل حين يلزم نفسه بمواقف الشجعان في ملأ من الناس ، بل في أمم من الرجال و النساء عبر مواقع التواصل ، سيحرص حتى لو كان جبانا ، على اتقاء الفضيحة، و التشبه بالرجال..
ما توقعت، في الحقيقة، أن ينكسر الرجلان بمجرد وقوعهما في أسر الدعم السريع ، فيفشيان كل أسرار و مؤامرات حركتهما مع أول (نهرة) يتلقيانها من محققي الدعم السريع، ليقوم بعد ذلك (الماشطون) في حركتهما بتبرير اعترافات الكائنين بأنهما (تحت الأسر) !! و الله لو كان في مكانهما (أبو دلامة الشاعر) ما حسبت أنه كان سينكسر انكسارهما، و ينسى أنه كان قبيل أيام قلائل يباهي العالمين برجولته و شجاعته!!..
لو كان للرجلين (كرامة) حقا، لاستخفا بالموت و لرفضا الانصياع لأوامر معتقليهما بالاعتراف ” بكل شيء” في سبيل إنقاذ عنقيهما و الفرار من “الشهادة” التي ظلا يدعوان الله – في العلن – أن يرزقهما إياها.. !!!…
هل تظن ، يا صاح ، أن في بقية الكيزان من هو “أرجل” من هذين ؟؟!
لقد سمعت البرهان ، و كرتي ، و علي عثمان محمد طه (في خطبة للأخير أمام حشد للكيزان في كسلا قبل بضعة أيام) و والي نهر النيل ، سمعتهم جميعا يتباهون بشجاعتهم و رجولة حركتهم الإسلامية ، و يتداعون لحمل السلاح و تلقين (التمرد) درسا لن ينساه..!!..
ترى ، هل سيتذكر أي من هؤلاء خطبه النارية و مباهاته بالشجاعة و الرجولة إن هو لقي مصير أنس عمر و الجزولي ؟؟!..
لا أتوقع أن يوجد كوز واحد “أرجل” من هذين الجبانين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.